العسال يكشف حكاية "شذونة" و"الموريسكيون" و"بلاط الشهداء" في تاريخ الأندلس.. صور

ارتبط شهر رمضان عند اهل التاريخ بالفتوحات الكبرى في الاسلام، وكان ابرزها فتح الملسمين للأندلس قبل نهاية القرن الاول الهجري، ليستقروا في شبه الجزيرة الأيبيرية 8 قرون كاملة تاركين حضارة عريقة ونهضة علمية اضاءت اوروبا في عصور الظلام.
ومع نهاية شهر رمضان، هناك حكايات كثيرة مرتبطة بما سبق والشهر الكريم، ويكشفها لصدي البلد د.براهيم العسال المحاضر بجامعة قرطبة عضو لجنة التراث بالاتحاد الأندلسي واستاذ التاريخ والاثار الاسلامية.
وقال العسال أن أول من فكر في فتح الاندلس كان الخليفة الراشد عثمان بن عفان، واصفا كل من يساهم في فتحها بالشركاء في الأجر لمن يفتح القسطنطينة - حلم المسلمين الاكبر انذاك- لانه لا طريق اليها من دون فتح الاندلس، وبعدها بثلاثة عقود اسند الخليفة الاموي الوليد بن عبدالملك المهمة الى عامله على المغرب موسى بن نصير.
وتابع: وموسي بن نصير اختار بدوره القائد البربري الفذ طارق بن زياد لقيادة جيش المسلمين الى الاندلس، وكان وقتها 7 ألاف مقاتل والاسطول البحري قوامه 4 سفن فقط، فعبر المسلمون وانتصر طارق في موقعة شذونة، التي بدأت في شهر رمضان واستمرت 8 ايام وبعدها دخل المسلمون شبه الجزيرة الايبرية واستقروا فيها ثمان قرون كاملة.
وقال أن فتح الاندلس في مراحله المبكرة ارتبط بشخصيتين عظيمتين هما موسى بن نصير وطارق بن زياد؛ اما الأول فهو والي المغرب من قبل الخلافة الاموية وابوه هو نصير بن عبد الرحمن بن يزيد والذي يرتبط بموقعة عين التمر سنة 12 هجرية حينما وجده خالد بن الوليد ضمن 40 غلاما يتدارسوان الانجيل في كنيئة بالعراق، فقرر الا يقاتلهم واسرهم وعلمهم الاسلام وصار نصير احد الشجعان في يوم اليرموك المشهود وكان رئيس الشرطة في عهد معاوية بن ابي سفيان. ولما تولى موسى امر ولاية المغرب قضى على الثورات فيها ونشر الاسلام بين البربر والامازيغ وصارت تراوده فكرة فتح الاندلس.
وأضاف: أما الثاني فهو طارق بن زياد الذي اختاره موسى لقيادة جيش الفاتحين، وكان من قبل الأمازيغ التي استوطنت الشمال الافريقي ورغم انه اسلم على يد موسى بن نصير الى ان دخول الاسلام في هذه المناطق يرجع الى الفتوحات العظيمة التي قام بها عقبة بن نافع حتى سنة 63 هجرية في شمال افريقيا. وتبقى خطبته الشهيرة في رمضان سنة 92 هجرية قبل المعركة الفاصلة لفتح الاندلس احد اهم السطور المكتوبة في التاريخ الاندلسي وبدأ بقوله المشهور "البحر من وراءكم والعدو أمامكم،وليس لكم -والله- إلاالصدق والصبر". ولقد نالته كتابات المستشرقين ببعض الافتراءات اشهرها اسطورة احراقه للسفن واقدامه على الانتحار والتي تمثل افتراءا واضحا على الرجل حسب المراجع المعتبرة في التاريخ الاسلامي.
وقال العسال: يعتبر المؤرخون الأسبان ان صوم رمضان هو اشهر الجرائم التي دونتها سجلات محاكم التفتيش في الاندلس، والتي عقدت للمسلمين بعد سقوط غرناطة في 1492م حيث عقد الأسبان محاكم تفتيش للمسلمين في الاندلس تجبرهم على التنصير وتبحث اذا ما كان هناك احد مازال يدين بالاسلام ام لا او يمارس شعائر هذه الدين،حتى انه في احد السنوات تم القبض على نصف قرية بالكامل خرجت لاستطلاع هلال شهر رمضان.
وتابع: هذا ادى الى ظهور طائفة يخفون اسلامهم وعرفهم التاريخ باسم الموريسيكيين، ولهم ثورات مشهورة سجلتها كتب التاريخ مثل ثورة البيازيين في غرناطة 1499 م وثورة البشرات في 1501م، وهذا الاضطهاد لشعائر المسلمين في الاندلس كان ضد اتفاقية التسليم التي تم إبرامها بين بني الأحمر اخر حكام المسلمين بالاندلس والملك الإسباني والبابا في روما والتي نصت في ثمانية وستين بندا علي تأمين الصغير والكبير على النفس والمال والأهل،وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم وعقارهم،وأن تبقى لهم مساجدهم وأوقافهم ولهم حقوق ممارسة شعائرهم ومنها صوم رمضان بطبيعة الحال،وهو ما لم يحدث لاحقا مما ادى الى ظهور الموريسيكين ومحاكم التفتيش.
وإستطرد: بعد أن فشل الموريسكيون في ثوراتهم، بدأوا في إرسال استغاثاتهم الى كل انحاء العالم الاسلامي؛ وواحدة منها كانت الى مصر في عهد الملك الأشرف قنصوه الغوري أحد سلاطين دولة المماليك البرجية، والذي تفاعل معهم وأرسل تهديدا واضحا للأسبان بأنه سيجبر المسيحيين المقيمين في بلاده على الدخول في الإسلام بالقوة، إذا لم يحترم الاسبان حقوق مسلمي الأندلس في ممارسة شعائرهم،الا ان رئيس كاتدرائية غرناطة زار مصر بعدها واستطاع أن يوهم السلطان الغوري بكذب استغاثات الموريسيكين وانهم يستطيعون ممارسة شعائرهم في رمضان وغيره وانه لهم نفس حقوق الأسبان.
وأضاف: كان المورسكيون يخفون صيامهم في رمضان حتى يكون بعيدا عن اعين محاكم التفتيش، فكانوا يذهبون إلى مزارعهم ويقضون وقتهم هناك إلى أن يحل الظلام، فيعدون عشاءهم وطعامهم في سرية، ويؤدون بقية شعائرهم كالصلاة والوضوء وغيرها،هذا و ساعد بعض النصارى القدامى المورسكيين على أداء شعائرهم الدينية بما فيها الصيام، لكن محاكم التفتيش حاكمتهم بتهمة حماية المورسكيين وإبقائهم على دينهم الإسلامي كما تروي بعض السجلات المحفوظة في مكتبة الاسكوريال بمدريد.
وقال العسال أنه في اوائل رمضان سنة 114 هجرية حُرمت اوروبا من نهضة علمية حقيقية وحضارة عربية في فرنسا – المتأخرة انذاك – بعد هزيمة المسلمين القاسية في موقعة بلاط الشهداء على ابواب باريس ، وهي المعركة الفاصلة في التاريخ الاوروبي كما يصفها المؤخون الغربيون انفسهم.
وتابع: لقد استطاع الجيش المسلم الصمود ام جيش شارل مارتل الذي فاقه 8 أضعاف في العدد حيث تشير اصح التقديرات الى 50 الف مقاتل هو قوام جيش الغافقي في مقابل 400 الف في الجيش الفرنسي، وكان هذا الصمود مهيبا وانتهت المعركة بالانسحاب بعد موت الغافقي وعودة المسلمين الى مواقعهم وكان ذلك في شهر رمضان.
وأشار إلي أنه هناك ثلاثة رجال وصلوا بفتوحات الاسلام الى فرنسا حتى السقوط في موقعة بواتييه او بلاط الشهداء جنوب باريس وهم السمح بن مالك الخولاني وعنبسة بن سحيم الكلبي وعبدالرحمن الغافقي الذي مات شهيدا في هذه المعركة،وبدأ الخولاني– الذي ولاه عمر بن عبدالعزيز على الاندلس - فتوحاته في جنوب فرنسا بعد ان كان فيها مدينة واحدة فقط هي أربونة تعرف الاسلام والتي قد فتحها موسى بن نصير، واستطاع الخولاني تأسيس مقاطعة سبتمانيا حتى مات في موقعة تولوز بطرسونة. أما عنبسة فهو من استطاع ان يعبر نهر الرون الى الشرق في قلب فرنسا، ثم جاء الغافقي الذي فتح بوردو وتور وبواتييه ووصل حتى 30كم جنوب باريس.
وأضاف إن التاريخ يعاني من نقص معلومات مؤكدة حول موقعة بلاط الشهداء ولا نملك الا المصادر الغربية التي بالغت احيانا كثيرة في هزيمة الملسمين وتغنت بالنصر الاوروبي، الا ان ما هو ثابت ان يوم بلاط الشهداء كان يوما عصيبا على المسلمين كايام العقاب والجسر وقبلها في احد وحنين.