الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نعوش الداخلية


لم يكن يمتلك ورقة وقلم لتوقيع اسمه عليها .. ولم يكن بجواره محامي لتوثيقها .. يده عاجزة عن الكتابة .. فقرر نطق الشهادتين ووصيته الأخيرة بصوت عال .. لكن لم يعره أحد أي انتباه .. التفت إلي جواره للشخص المكبلة يده بقيد واحد معه. وأبلغه بديونه المطلوب سدادها إذا توفي .. وبوصيته التي سيبلغها لأمه وأبيه .. ورسالته الأخيرة لزوجته وأولاده .وماذا سيقول بشأن تفاصيل وفاته؟

كانت لديه أسباب ودوافع منطقية للخوف علي حياته .. فقد كان ضمن عدد من السجناء المقبوض عليهم لخروجهم عن القانون والمحشورين لساعات في " عربة الترحيلات "المستطيلة الشكل ذات اللون الأزرق .. تحمل أضعاف طاقتها الاستيعابية .. ودرجة حرارة صندوقها الخلفي تفوق الطقس الخليجي فجوانبه وسقفه من الصاج.. ونوافذها ضيقة تتخللها أسياخ حديدية طولية معززة بشبكة حديدية من الداخل وأخرى من الخارج، يدخل منها الهواء علي استحياء.

سارت السيارة في شوارع مزدحمة ودرجة حرارة الجو تتجاوز ال 40 درجة مئوية .. فتوقف اندفاع الهواء ..وعاني من بداخلها من ضيق التنفس بسبب نقص الأكسجين .. وانطلقت رائحة عرق غير آدمية " كريهة".. فبدأ المحشورون في التساقط والهذيان. .فتخيلوا أن الموت يأتيهم من كل مكان.

فهذه هي الصورة الذهنية لعربة الترحيلات سواء لمن عاشوا رحلة بداخلها كمرحلين أو مقبوض عليهم أو لمن يراها تجوب في الشوارع .. فالمشهد يتنافي تماما مع حقوق الإنسان ..وتتعارض مع الجوانب الإنسانية التي يكفلها القانون .. وربما نستطيع الحكم بأن الوقت في سيارة الترحيلات أصعب من أوقات السجن.. فالسيارة التي كثيرا ما تمر أمام أعيننا وسط حراسة الشرطة تخفي الكثير من المآسي حيث تفتقر للتهوية الصحية وشروط السلامة العامة.

لهذا قررت وزارة الداخلية _ وهذا يحسب لوزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار _ استخدام أتوبيسات ترحيلات مجهزة بأحدث التقنيات الحديثة لنقل السجناء والمرحلين، طبقًا للمواصفات العالمية، مزودة بوسائل آمنة تعمل على تخفيف عواقب حادث لا يمكن تفاديه، ومن تلك الوسائل وجود أحزمة الأمان في السيارة لجميع الركاب. ووجود مساند الرأس والوسائد الهوائية، وبها عجلة قيادة مرنة حتى لا تكون صلابتها الزائدة سببًا للإصابة، وتصميم مقدمة السيارة يحتوي على مساحة تتحمل التهشم من دون أن يصل الضرر إلى مقصورة الركاب.

هذه الناقلة الآدمية تم دعم عدد من مديريات الأمن بها كتجربة أولي في سبيلها للتعميم بباقي المحافظات . وذلك فى إطار حرص أجهزة وزارة الداخلية على إعلاء قيم حقوق الإنسان، وتطبيق السياسة العقابية بمفهومها الحديث، وتوفير أوجه الرعاية المختلفة لنزلاء السجون والمتهمين المحتجزين على ذمة قضايا.

خطوة رائعة يجب الإشادة بها وبمن اتخذ هذا القرار، نرجو أن يتبع هذا القرار تطوير أماكن الاحتجاز فى الأقسام.. والفصل بين المتهمين.. وتحسين المعاملة في السجون..والإرتقاء بالنظافة والخدمات ومستوي الطعام والرعاية الصحية .

نعلم أنه قد اتخذت خطوات جادة نحو تحقيق هذا الهدف إلا أننا ننتظر المزيد من الارتقاء بالمنظومة العقابية فهذا حق للسجين !

عزيزي المواطن قريبا لن ترى هذه العربات التي تشبه النعوش المتحركة وهذا أبسط حقوق الإنسانية للمدان ولغير المدان والمحبوس علي ذمة قضية ما .ومدون في بطاقته القومية ( مصري الجنسية )!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط