الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وحدة سوريا في فيدراليتها


بدأت الثورة السورية بشعارات طالما كان الشعب السوري بكل مكوناته يتمنى أن يعيشها يومًا ما على أرضه وبين شعبه ألا وهي "الكرامة والحرية"، واللتان لن تتحققا بدون اسقاط الذهنية التسلطية والاستبدادية والأحادية الاقصائية التي كان يتبعها النظام السوري بدءًا من الأب وحتى مرحلة الأسد الابن. 

أربعة عقود ومكونات الشعب السوري تنام على أمل الاستيقاظ يومًا ما في أن يحقق حلمًا على أرض الواقع وبعيدًا عن اليوتوبيا الأفلاطونية. 

ظهرت معارضات عديدة فرضت نفسها على أنها الممثل الشرعي للشعب والثورة بنفس عقلية البعث الذي فرض ذاته يومًا ما على أنه قائد الدولة والمجتمع، وكانت مادة رئيسية في الدستور السوري والتي يعتبر التقرب منها لتغييرها من التابوهات والمحرمات التي تودي بمن يفكر في تغييرها إلى غياهب السجون هذا إن كانت رحمة الله قد اقتربت منه وفي الحالات العادية يتم تغييبه ولا أحد يعرف مصيره حتى أهله والمقربين منه.

قيادات ما تسمى المعارضة التي كانت تأتمر بتركيا لتنفيذ أجنداتها العثمانوية خسرت الثورة منذ بدايتها لأنها لم تكن تمتلك مشروع وطني سوري بقدر ما كانت تردد ما تريده الدول الداعمة لها خاصة تركيا وقطر اللتان تورطتا في دعم الارتزاق والإرهاب إن كان في سوريا أو في مناطق أخرى مثل ليبيا واليمن والعراق ومصر. 

هذه المعارضة عديمة المشروع الوطني باتت عديمة الأخلاق الوطنية بدورها لأن جلَّ هدفها كان الارتزاق على حساب الثورة والشعب السوري، وباعت كل ما كان يأمله الشعب من كرامة وحرية في أسواق النخاسة العبودية العثمانوية. 

سقطت المعارضة وسقط القناع الذي كانت تتستر به لسنوات حتى أصبحت كالملوك العراة وافتضح أمرها للشعب. 

سقط المشروع الاردوغاني والقطري وسقطت معهما ما كانت تسمى يومًا معارضة الإئتلاف التي تم تشكيلها وتوليدها بعملية قيصرية اجبارية ومنذ تشكيلها كانت مشوهة الخُلق والآخلاق والهدف والأسلوب، والنتيجة الطبيعية لهكذا مخلوق مستنسخ ومشوه هو مزابل التاريخ، لأنه لم يكن يمثل أبدًا الحقيقة المجتمعية التاريخية التي انطلق منها. 

الامتثال للحقيقة المجتمعية هي الأساس في نجاح أي ثورة أو فشلها. لأن التاريخ المجتمعي ما هو إلا عبارة عن التراكم المعرفي لنضال وكدح الانسان المتطلع دائمًا للحرية، وأن إنكار هذا الأمر يعتبر من الذنوب التي يعاقب عليها التاريخ ومن ينكرها أو يتنصل منها سيرميه التاريخ في سلال مزابله المتخمة بهكذا شخوص انتفاعية وأنانية.
  
إحدى الحقائق المجتمعية لمنطقتنا هي أنه لا يمكن النظر لهذه المنطقة على أنها مجموعة من الدول القوموية ذات الاستقلال المشوه، ويتم الاعتماد عليها في تحليل المشاكل التي تعانيها ووضع الحلول لها، لأن أساس المشاكل نابع من نظام الدولة ذاتها والتي تعتمد في استمراريتها على ثالوث "السلطة والمال والدين". 

بل تكمن الحقيقة المجتمعية في أنه ينبغي علينا النظر إلى هذه المنطقة على أنها مجموعة من الثقافات المتداخلة مع بعضها البعض ولا يمكن الفصل بينها بعمليات جراحية تعتمد مشرط الحداثة الرأسمالية وتقسيمها على أسس قوموية وطائفية ومذهبية.

هذه هي الحقيقة التي اعتمدت عليها شعوب ومكونات شمالي سوريا في نضالها من أجل نيل الكرامة والحرية واسقاط ذهنية النظام المركزية والاقصائية والمقنعة بالسيادة الوطنية الزائفة والوطن الذي تحول تحت حكمها إلى عبارة عن سجن كبير ومقبرة تضم بين ثناياها كل ما يناهض تلك المصطلحات. الكرد حينما أعلنوا أنهم استقوا لذاتهم النهج والخط الثالث لم يكن عن عبث، بل إنه يمثل الحقيقة المجتمعية التاريخية التي لطالما كانت ترفض الخنوع للسلطة من طرف ومن طرف آخر من أدعوا أنهم ضد السلطة، ولكن في حقيقة الأمر أنهم لم يكونوا إلا الوجه الآخر للسلطة والنظام نفسه.

نظام الفيدرالية الديمقراطية التي تبنتها شعوب شمالي سوريا تعتبر الفلسفة الحقيقية المعبرة عن تطلعات الشعب في حكم نفسها بنفسها في الجغرافيا التي تسكنها. 

وبنفس الوقت يعتبر هذا النظام الفيدرالي البديل الحقيقي المعبر عن الحقيقة المجتمعية التاريخية لمنطقتنا التي كانت تعيش على أساس أخوة الشعوب لآلاف السنين. إلى أن أصابها داء التعصب القوموي والشوفيني حتى أوصلتنا للحالة التي نعيشها في راهننا في مزيدًا من الاقتتال والقتل والتهجير والتدمير.

الكل يعمل على ضرب شعوب سوريا بعضها ببعض ويلعب على الوتر القومي والمذهبي لتقسيم المجتمع أكثر تحت شعارات زائفة ليس لها أية علاقة مع الواقع المجتمعي. وفقط الكرد ومن معهم من عرب وسريان وآشور وتركمان وشيشان في مناطق شمالي سوريا يسعون بكل إرادة للحفاظ على ما تبقى من كرامة الوطن السوري وسيادته الاخلاقية.

لذلك يمكن القول إن النظام الفيدرالي الديمقراطي هو الضمانة الوحيدة المتبقية من الثورة السورية للحفاظ على السيادة الوطنية وتماسك شعوب سوريا. 

فلسفة أخوة الشعوب والأمة الديمقراطية ستكون الشيفرة التي ستستعيد من خلالها شعوب سوريا كرامتها وتحقق حلمها في العيش بحرية في مجتمع يكون فيه الكل مع الكل، بدلًا من يكون الكل ضد الكل.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط