الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جعلوني «عنتيل»


لا تتوقع أنني أطلب منك المستحيل، أو أغازل مشاعرك لتتعاطف مع هؤلاء الذين أتحدث عنهم في مقالي، بل تخيل نفسك تجلس لتشاهد فيديو على "يوتيوب"، فتجد بدايته عبارة عن شاشة سوداء تمتد إلى دقيقة تقريبًا على صوت "أزيز حاد ومتفاوت الدرجات" يضعك مبكرًا تحت حالة القلق والخوف، ينقلك بعدها إلى شاشة زرقاء يتوسطها الأسد الذهبى ثم تظهر عبارة تقول "حصري أحدث صور وفيديوهات العنتيل الجديد".

ثم يعود مرة أخرى إلى الشاشة السوداء، بعدها يقفز المخرج إلى سطح القمر المظلم المليء بالأخاديد والتشققات متحركًا لأعلى إلى قطب القمر الشمالى، وفجأة وبدون سابق إنذارات مع أول دفقة من دفقات الضوء الذى يأتى من الشمس القابعة على الطرف البعيد من الشاشة أثناء التعامد السماوي الثلاثي بين القمر والأرض والشمس، ومع اختفاء القمر تدريجيًا، تحل محله صور وإيحاءات جنسية وربما مشاهد خليعة في غرفة نوم كستها الإضاءة الخافتة، وتكون أنت أو أنتِ بطل الفيلم.

توقفت كما توقف الكثيرون أمام الفيديوهات الجنسية المنتشرة لموظف جامعة بنها وهو يمارس الرذيلة مع فتيات وسيدات، واسترجعت بذاكرتي فضائح جنسية لعناتيل وعاهرات آخرين ملأوا "يوتيوب" والإعلام ضجيجا.

فلربما أنت تَوَقّفْت لتجيب عن السؤال البديهي: لماذا فَعَلَ ذلك؟ ولماذا رضخت المبتزة لشهوته وربما شهوتها ؟

أما أنا فتوقفت أمام السؤال الأصعب والمعقد! ماذا لو كان بريئا أو بريئة ولم يفعلا ذلك؟ - وهنا لا أُبَرئهما ولا أساندهما فأمرهما محل نظر النيابة والقضاء - ولا أتحدث عنهما فحسب بل عن كل من يقع ضحية للانتقام منه باستخدام التكنولوجيا، للفتك به أو بها أمام المجتمع.

فقد باتت تكنولوجيا الهواتف الذكية والكمبيوترات من الممكن أن تَطُولك أو تَطُولني بجمرات نارها، التي إذا اشتعلت فيك حولتك إلى عنتيل وحولتكِ إلى عاهرة، لتعلن – أي التكنولوجيا - أنه حان الوقت لاستخدام الأجساد والعورات لاغتيال حياة الخصم، أو المعارض، أو الجار الذي تنازعه، أو من تختلف معه، أو يخالفك الرأي، أو يناصبك العداء.

"الانتقام" مشكلة في كل دول العالم، ولكن قوة الصور والفيديوهات الجنسية كسلاح للابتزاز والترهيب تكمن في قدرتها على إلحاق العار بالرجال والنساء حتى الممات، خاصة في المجتمعات التي تتطلب العفة والطهارة الجنسية، والتي تصر على الالتزام بهذه الطهارة الجنسية عن طريق أعراف للشرف.

فالفيديوهات والصور المفبركة بتقنيات حديثة في مجتمعنا، قد تؤدي بالضحية إلى الموت، وحتى إذا لم تنته حياته جسديا، فستنتهي اجتماعيا ومهنيا، فينأى الناس بأنفسهم عنها، وينتهي بها الحال منبوذة منعزلة.

وهناك برامج خاصة يمكن من خلالها طبع وتكبير الصور وتركيب بعض الصور المخلة عليها، وبرامج أخرى تهتك أعراض المواطنين، وتصور أجزاءً من أجسامهم دون علمهم، وهذا يمثل اطلاعا على عوراتهم.

ولأننا مجتمع شرقي يرفض ضحايا الابتزاز الإلكتروني المتعلق بالشرف وحرمة الحياة الخاصة اتخاذ الإجراءات القانونية خوفا من هجوم المجتمع، ليبقى سلاح "التكنولوجيا بالجنس" سلاحا فتاكا، فالضحية لا تفصح والقانون لا يحمي.

ليبقى السؤال: كيف نحمي سمعتنا وشرفنا من العنتلة أو أن ننضم إلى مشاهير العناتيل في المجتمع؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط