الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وانفض مولد العربية


يحل الثامن عشر من الشهر الجارى، منذ عام الثالث والسبعين وتسعمائة وألف، يوما عالميا للغتنا العربية بقرار الأمم المتحدة، واعتمادها من اللغات الست الرسمية بها، ومنذ ذلك اليوم تقام الندوات والمؤتمرات والاحتفالات والسرادقات احتفالا بمولد ستنا "العربية"، المنسية والمهملة والمتبرئ منها من أهلها طوال العام إلا ذلك اليوم، سلوكا وتحدثا كتابة وقدسية واحتراما ، في خروج متعمد من ثوبها المهترئ، ومن باقى هويتنا العربية والإسلامية .

الكثير من الهيئات المحلية والدولية كان لها نصيب كبير في المشاركة بيوم لغتنا العربية العالمى ، فاحتفلت الصفحة الرسمية لمنظمة اليونسكو العالمية، وعبر تدوينة بتويتر، بقولها: " إذا تكلمت العربية، كن مخلصًا لها، ولا تقاطعها بجمل من لغات أجنبية، جميلة هى هكذا لا يشوبها نقصان".

كما أقامت الأمانة العامة بجامعة الدول العربية، وعبر قطاع الشئون الاجتماعية الإدارة الثقافة ، المنتدى الثالث للغة العربية، على مدار يومين، شارك فيه الدول الأعضاء لديها، والمنظمات الإقليمية والدولية ذات الصلة، ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال اللغة العربية، بالإضافة إلى مؤسسة الأزهر الشريف والبرلمان العربي، واشتمل على عرض إستراتيجية النهوض باللغة العربية، التي أعدتها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، تنفيذًا للتوصيات الصادرة عن المنتدى الثاني للغة العربية، الذي عقدته الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، في ديسمبر2015م، ووضع تصور لإطار عربي موحد، لاختبار كفاءة اللغة العربية للناطقين بها وغير الناطقين بها، من خلال مبادرات وتجارب الدول العربية، في مجال اختبار كفاءة أداء اللغة العربية.

كما احتفلت وزارة خارجيتنا "بعربيتنا"، وعبر متحدثها الرسمى السفير احمد ابو زيد بتغريدة عبر حسابه الشخصى، جاء فيها : "فى اليوم العالمى للغة العربية، نحتفى بواحدة من أكثر اللغات استخدامًا، وعاء الثقافة والهوية والجسر التاريخى الذى عبرت من خلاله العلوم الإغريقية والرومانية إلى الحضارة الأوروبية، مازالت اللغة العربية تلهم الأجيال لبلورة قوالب إبداعية تنهل من هذا المعين الجمالى الذى لا ينضب".

ولم يفت على أدوين صامويل المتحدث الرسمى للحكومة البريطانية فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، هو الآخر إحياء اليوم العالمى للغة العربية، فنشر فيديو "بتويتر" يقول فيه: "اللغة العربية مهمة لجميع المسلمين فى العالم العربى وخارجه، لأنها اللغة التى نزل بها القرآن الكريم، واللغة العربية واحدة من اللغات الرسمية بالأمم المتحدة، وفى بريطانيا نعترف بأهمية اللغة العربية للجيل البريطانى الجديد، وشخصيا وجدت اللغة العربية وسيلة لوسائل التواصل ".

كما كان للجنة النهوض باللغة العربية برابطة الجامعات الإسلامية بالتعاون مع الجمعية العربية للحضارة والفنون الإسلامية، ومركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي، ومن خلال خبراء وعلماء "العربية" محليا ودوليا، نصيبا فى الاحتفال السنوي باليوم العالمي للغتنا العربية، بإقامة ندوة بعنوان: "الغارة على اللغة العربية.. مظاهرها وسبل مواجهتها"، متناولة مظاهر التهديد والتهميش للغة العربية، ودور المجامع اللغوية المتعددة في خدمة اللغة العربية ومواجهة الأخطار التي تهددها، إضافة الى العديد من الندوات والمؤتمرات الأخرى على مختلف الأصعدة بالجامعات والكليات المختصة بالعربية.

وهكذا، أقيم المولد السنوي والمهرجانات و"البروجندا" الزائفة للعربية، في مصر وخارجها، ثم انفض، في ضجيج بلا طحن، وأقوال وحناجر تستعرض قوتها وحماستها، وكوادر بحثية وأكاديمية تستعرض أبحاثها في النهوض بالعربية، وصد الحروب والمعارك والحملات المستعرة المشتعلة ضدها، والمحصلة كما كل عام، صفر كبير، و"نفخ في قرب مقطوعة"، و"أذان في مالطة"، كما في مثلنا الشعبي.

نعم هناك حروب مستعرة، وحامية الوطيس، ضد "عربيتنا"، ليس من أبنائها فقط ، لكن نراها جلية، واضحة أيضا من قبل الاحتلال الصهيوني، الذى يعمل في دأب عظيم، ليل نهار، قهرا وقسرا وجبرا، على احتلال و تهويد اللسان والمكان والتاريخ والهوية العربية الإسلامية المسيحية بفلسطين المحتلة، فيذكر العلَّامة المفكر الإسلامي واللغوى الدكتور محمد داود في كتابه "اللغة والقوة والحروب اللغوية" بعضا من التسميات الصهيونية للمعالم الفلسطينية ، ومنها مدينة القدس صارت "عيروشلايم"، ومدينة الخليل "عير حبرون"، ومدينة نابلس "عير شكيم"، ومنطقة حيفا وعكا "أشير"، وطبرية وبيسان "بساكر"، ورام الله "أفرايم"، وهكذا .

بل يذكر الدكتور ماهر خضير قاضي المحكمة الشرعية العليا بفلسطين، أن هناك كلمات كثيرة جدا عبرية دخلت للغة العربية الفلسطينية، حتى الحيوانات لا تفهم إلا اشارة اللغة العبرية، فالكلب إذا أشرت له بالجلوس لا يجلس، لكن لو قلت له "شيف" وهي كلمة عبرية سيسمع الكلام، والحمار لو قلت له "أخوره" سيرجع الى الخلف، وإشارة المرور "رمزون"، وهي كلمة عبرية، ولا نعرف في فلسطين الا رمزون، وكذلك موقف السيارات "تحناه"، وغيرها الكثير والكثير.

لكن ذلك لا يمنع من وجود أناس غيورين قيضهم الله للحفاظ على لغتنا العربية، أبوا أن تهزم عربيتنا أمام الاحتلال، وتعيش في خنوع وانحطاط وانقراض، وإزاء تلك التحديات الكبيرة والتهويد المتعمد، وكما يذكر الدكتور ماهر خضير، يتم محاولة السيطرة على عدم تسريب كلمات ومصطلحات اللغة العبرية الميتة أصلًا لمسامع الأجيال الناشئة، كما أنشأ اللُّغويون "مجمع فلسطيني للغة العربية" ينبثق عنه مجمعات صغيرة في كل محافظة، ويتشكل من علماء اللغة العربية والغيورين عليها، إضافة لمحاولات أخرى جادة مخلصة.

لكنى أيضا، حبا ومصداقا لقول نبينا الحبيب المتفق عليه :" يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا"، لا يوفتنى أن أشيد بمشروع قانون حماية اللغة العربية، الذى أعده مجمع اللغة العربية بمصرنا الحبيبة في شهر أكتوبر الماضى ، فى إطار الحفاظ على لغتنا العربية، للعرض على مجلس الوزراء ومن بعده على البرلمان لمناقشته وإقراره، والذى يتكون من إحدى وعشرين مادة، ينص فيها على تعريف محدد للغتنا العربية، وينظم دور الأشخاص والمؤسسات، وما عليهم الالتزام به فى حق اللغة العربية، إضافة لذكر عدد من العقوبات التى تهدف إلى حماية اللغة العربية والحفاظ عليها، ثقافيا وتعليما ومجتمعيا، خاصة من قبل المشتغلين بها، والمعنيين بالمحافظة عليها، توافقا مع نصوص دستورنا المقر نصا على أن اللغة العربية هى اللغة الرسمية للدولة، وتأكيدا على وحدتنا اللغوية التى تجمع أبناء مصر جميعا.

إضافة وجنبا الى جنب، للعديد من الأوراق البحثية التي يضعها علماؤنا وخبراؤنا الغيورين على لغتنا العربية للنهوض بها من كبوتها ، ومعالجة لها من مرضها المزمن العضال المصابة به ، فلغتنا تمرض ، لكنها لا تموت، حفظا من الله لها، باقترانها بكتابنا الكريم المقدس القرآن الكريم، وكما قال اللغوى الثعالبي: " اللغة العربية خير اللغات والألسنة، والإقبال على تفهمها من الديانة، ولو لم يكن للإحاطة بخصائصها والوقوف على مجاريها وتصاريفها والتبحّر في جلائلها وصغائرها إلا قوة اليقين في معرفة الإعجاز القرآني، وزيادة البصيرة في اثبات النبوة، الذي هو عمدة الأمر كله، لكفى بهما فضلًا يحسن أثره ويطيب في الدارين ثمره".

والله أسأل أن يجعل جهود علماء وخبراء العربية ، مخلصة، ممكَّنة، مفعلَّة، وأن يكتب لها الظهور والنور والعمل بها ، شفاء للغتنا ، ونصرا لها ، ومعرفة لقدرها وقيمتها ، وألا يكون جهودهم صيحات في الهواء الطلق ، وكلمات وابحاث وقوانين تقدم في مولد العربية، ثم ينفض المولد بلا حمص .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط