الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لو كانوا مسلمين!


في مصيبة جديدة تفتحت عليها عيوننا، فجعنا بخبر الحادث الإرهابى الغادر الذى استهدف كنيسة مارمينا بحلوان، مسفرا كما أكد الدكتور خالد مجاهد، المتحدث باسم وزارة الصحة، عن 10 حالات وفاة و5 مصابين، لا ذنب لهم، غير أنهم كانوا في مرمى نيران هؤلاء الغادرين الخائنين، وأن قدرهم المحتوم ساقهم للغدر والخيانة المتربص بها لهم من هؤلاء المجرمين، الذين ليسوا بمسلمين، ولا يعرفون لله سبحانه ورسوله حقا وعهدا، وقبله أول أمس الخميس، مقتل ضابط وخمسة جنود في هجوم بسيناء، إثر انفجار عبوة ناسفة في إحدى المركبات الخاصة بقواتنا المسلّحة أثناء مداهمة إحدى البؤر الإرهابية.

أكتب ومدامع قلبى قبل عينى الآن، تنهمر وتسيل حزنا وألما على من غدر بهم، في خسة وخيانة لا يعرفها دين إلهى ولا قلب إنساني، أكتب وقد سال مختلطا دماء المسلمين والمسيحيين معا، ومصابنا وجرحنا واحد غائر وأليم، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا : إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا لفراقكم لمحزونون. 

أتساءل متعجبا في حسرة ووجع، لو كان هؤلاء الغادرون الخائنون الإرهابيون مسلمين، لآمنوا يقينا أن ما أحدثوه أمس بكنيسة مارمينا بحلوان، أمر مستبشع، جلل، ولآمنوا بالله وأوامره في كتابنا الكريم ، في قوله سبحانه : { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } (الأنعام 151 ، الإسراء 33)، ولو كانوا مسلمين، لآمنوا مصدقين بقول ربنا في وصف عباده المؤمنين بأنهم : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } (الفرقان 68)، و لو كانوا مسلمين، لآمنوا بأن ما فعلوه مشبه بالاعتداء على كل أهل الأرض من الإنس، مصداقا لقول ربنا – سبحانه- : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } (المائدة 32) .

لو كانوا مسلمين لعرفوا ولآمنوا بإقرار نبينا: "لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما"، وحرمة النفس هنا لا تختص المسلم دون غيره، بل تشمل المعاهدين أهل الذمة من غير أهل الحرب والعدوان، ولآمنوا وصدقوا لوعيد وتحذير نبينا لإثم من قتل معاهدًا بغير جرم: "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاما"، ولصدقوا بقول الرؤوف الرحيم: "ألا من قتل نفسا معاهدة لها ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر ذمة الله فلا يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا " . 

لو كانوا مسلمين لتلمسوا رحمة إسلامنا ونبينا، وعدلهما وإنصافهما ، ولعلموا يقينا أنهما لم يحرما قتل إخوتنا المعاهدين الذميين فحسب ، بل حرم ظلمهم وانتقاص حقوقهم والإضرار بهم، مصداقا لقوله : " من ظلم معاهدا أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة ".

لو كانوا مسلمين لآمنوا وصدقوا بأول وثيقة أقرها نبينا في بدء نشأة الدولة الإسلامية والتي عُرفت باسم "الصحيفة"، والذى أرست أسمى قواعد كرامة النفس الإنسانية، وحرية العقيدة، والتعايش السلمي والإخاء الإنساني مطلقًا، "والمتأمل في بنود هذه الوثيقة يدرك مدى العدالة التي اتسمت بها معاملة النبي لليهود، وإسقاط كل الاعتبارات الطبقية والجاهلية، وترسيخ المبادئ الإسلامية، كما أنها اشتملت جميع ما تحتاجه الدولة، من مقوماتها الدستورية والإدارية، وعلاقة الأفراد بالدولة، وعلاقة بعضهم ببعض"، وفق موقع إسلام ويب.
  
لو كانوا مسلمين، لعرفوا ولآمنوا بما فعله فاروق الأمة عمر بن الخطاب، في عهدته العمرية لإقراره للمسيحيين في بيت المقدس بأمنهم وحقوقهم على دمائهم وأموالهم، وكما أورد اليعقوبي في كتابه "تاريخ اليعقوبي" : "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما كتبه عمر بن الخطاب لأهل بيت المقدسِ: إنكم آمنون على دمائكم وأموالكم وكنائسكم، لا تُسكن ولا تخرّب، إلا أن تُحدِثوا حدثًا عامًا، وأشهد شهودًا"، وكما أورد ابن الجوزي في كتابه "فضائل القدس" : "كتب عمر بن الخطاب لأهل بيت المقدس إني قد أمنتكم على دمائكم وأموالكم وذراريكم وصلاتكم، وبيعكم، لا تكلفون فوق طاقتكم، ومن أراد منكم أن يلحق بأمته فله الأمان، وأن عليكم الخراج كما على مدائن فلسطين" .

لو كانوا مسلمين لآمنوا بأننا نعيش-مسلمين ومسيحيين- ونحيا في بلد واحد، نستظل بسمائها، ونتنسم هواءها، ونشرب من نيلها، ونأكل من خيرات أرضها، ونعيش نفس الأفراح والأحزان، والحلوة والمرة معا، دون تفرقة ولا تمييز.

هؤلاء لا صلة للإسلام بهم ، وليس دفاعا عن ديننا ، فإسلامنا ليس بمتهم ، فالإرهاب لا دين ولا وطن له، كما أكدنا تكرارا، ومعنا فضيلة شيخ الازهر الدكتور أحمد الطيب، وشهد بذلك المفكر الأمريكى "بولى فندلى" فى كتابه " لا سكوت بعد اليوم" قائلا : " إن العنف باسم الإسلام ليس من الإسلام في شئ ، بل إنه نقيض لهذا الدين الذي يعني السلام لا العنف ".

واشدد متفقا تمام الاتفاق مع بيان الهيئة الوطنية للصحافة ان جرائم هؤلاء الارهابيين لن تفسد فرحة المصريين بالعام الجديد، ولن تضعف روحنا المعنوية، ولن يزرعوا في قلوب الناس ذرة من الخوف، ولن ينجحوا في صناعة الوهم، وإن كان لهم ذراع طويلة، فهم جبناء لا يتحلون بشرف المواجهة، بل يضربون ويفرون كالفئران المذعورة، وأنهم لا يمكن أن ينتصروا على شعبنا، ولا يفرِّق رصاصها بين محمد وعبدالمسيح، ولا بين مسجد وكنيسة، وكما أراقوا دماء المصلِّين في طنطا، فعلوا نفس الشيء في مسجد الروضة.

خالص عزائى أتوجه به لمصرنا الحبيبة كلها، في مصابها ومصابنا الأليم، ولإخوتنا أهالي واقارب الضحايا الشهداء، من الجيش والمسيحيين والمسلمين، التي ارتقت دماؤهم الزكية الى ربهم عز وجل، وحسبنا الله ونعم الوكيل في كل من تجرأ على الدم الحرام، ومن أيد سفكه، ومن برر للقاتل فعله الآثم الغادر المشين. 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط