الزَّار .. وعِلْم الإيقَاع الحَرَكِي

رغم كل انتصارات العلم الحديث في مختلف المجالات؛ فإن بقايا الماضي ما زالت تفرض نفسها على الحاضر.

فوجود الصيدليات مثلا لا يمنع قطاعات واسعة من الناس من البحث في دكاكين العطارين عن دواء لأمراضهم.

وتَقَدٌّم علوم الجراحة إلى حد النجاح المذهل في عمليات زرع الأعضاء لم يستطع كُليًا إبعاد (حلاق القرية) عن ممارسة نفوذه القديم على البُسطاء.

وتَقَدٌّم طب أمراض النساء والولادة وما وصل إليه من درجات لا يتصورها العقل أحيانا، لم يمنع بعض الناس من الاستنجاد (بالداية) لإتمام بعض عمليات الولادة.

بل أن تقدم علم الفلك وتكنولوجيا الفضاء ووصول الإنسان إلى القمر، لم يمنعنا من الذهاب إلى المُنَجِّم والإيمان بقدرته على معرفة خفايا المستقبل عن طريق التطلع لحركات النجوم والكواكب.

هذه الأمثلة المتنوعة تعبر عن حقيقة هامة وهي أن (القديم والحديث) يتواجدان ويتعايشان أو يتصارعان، رغم انتماء القديم إلى عصر ما قبل العِلم وانتماء الحديث إلى عصر الذرة.

وفي الموسيقى نجد نفس الظروف تقريبًا:
فالحركة المصاحبة للإيقاع تُمارس اليوم بأسلوبين متباينين تمامًا، وبطريقتين تبعد الواحدة منهما عن الأخرى بُعدَ السماء عن الأرض
الأسلوب الأول هو (الحركات المصاحبة للزار)، وهو أسلوب غير علمي، وإن كان ينطوي على بعض الفوائد العلاجية.

الأسلوب الثاني هو (علم الإيقاع الحركي) الذي وضعه الموسيقي والمُربِّي "إيميل جاك دالكروز 1865 - 1950" Emil Jacques Dalcroze"" وهو علم يهتم بدراسة الإيقاعات الموسيقية من خلال حركات الجسم ويعمل على تطوير الإحساس بالإيقاع وترجمته إلى حركة.

فقد لاحظ "دالكروز" أن الحركة وسيلة من وسائل التعبير التي يستخدمها الإنسان ليعبر بها عن رغباته ومشاعره، وهي فطرية موجودة لديه منذ ولادته، ويرتبط تطور الإنسان إلى حد كبير بتطور حركته، لذلك اعتبر"دالكروز" الحركة أحد العناصر الأساسية التي أسس عليها علم الإيقاع الحركي وتدريباته التي تُشكل في مجموعها فنًا متكاملًا عن طريق إضافة الجزء المعروف بالتعبير الحركي المرن (Expressive Moving Plastic) والذي جعل الحركة المرنة وسيلة للتعبير عن الموسيقى.

وهكذا نجد اليوم علم الإيقاع والتعبير الحركي يصل إلى أقصى درجات التناسق والرشاقة والجمال، وتبقى أيضًا الحركات المصاحبة للزار والتي تصل أحيانا إلى (الهستيريا)، كلاهما يعيش بجوار الآخر، ويبقى الوضع كما هو عليه .... دمتم بخير وفن.