الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الرئيس السيسي وعبارة "إيه غوصت"


كثيرا ما يكرر الرئيس، عبد الفتاح السيسي ، عبارة "إيه غوصت " في معرض حديثه للوزراء وكبار المسئولين في الدولة في إشارة إلى غرق المسئول في مستنقع الوظيفة الحكومية، بكل مشاكلها، وهمومها، وتحدياتها المتعددة، 
والتي لم يكن يدرك المسئول جسامة هذه التحديات، إلا عندما يجلس على كرسي القيادة ، ويصبح غير قادر على تحقيق الطفرة الهائلة التي وعد بتحقيقها عندما يتولى المسئولية في وزارته أو مؤسسته الحكومية.

و يتعمد الرئيس السيسي ، الحصول على تفسيرات من المسئول خلال اللقاءات العامة، لكي يضع هذا المسئول أمام مسئولياته في مواجهة الرأي العام، حتى لا يقل أو يفقد حماسه الذي أبداه لحظة إختياره في المنصب المهم.
 كما يستهدف الرئيس أيضا من وراء ذلك ، إطلاع الشعب على عدم سهولة تحقيق النجاح في المناصب الحكومية ، في دولة يتشكل جهازها الحكومي من 7 ملايين موظف ، في وقت تؤكد فيه جميع الدراسات العلمية أن الجهاز الحكومي للدولة المصرية ، يمكن أن يسير بكفاءة عالية لو تقلص عدد موظفيه من 7 ملايين موظف إلى مليون موظف فقط .

ويدرك الرئيس السيسي بخبرته ، أنه عندما تترشح شخصية لمنصب وزاري، أو لمنصب قيادي، في جهاز من أجهزة الدولة ، فإن هذه الشخصية تظهر حماسا كبيرا، وتفاؤلا لا حدود له ، لدرجة أن هذا المسئول يعد بتحقيق ثورة تطويرية هائلة في وزارته أو مؤسسته بمجرد جلوسه على كرسي القيادة والمسئولية ... وخلافا لتوقعاته المتفائلة، يجد المسئول المتحمس نفسه وقد غاص وغرق في مؤسسته الحكومية في دوامة لا حصر لها من البيروقراطية، والمعوقات، والتحديات، والمشاكل، والمطالب المالية، والفئوية.

 فهذا الموظف يريد أن يعين إبنه أو بنته في الوزارة أو المؤسسة التي يعمل بها بزعم أنه أفنى عمره بها ، متناسيا أن أكثر أوقات عمله كان "مزوغا " من مكتبه، أو في أجازة مرضية، أو يتعمد تعطيل مصالح المواطنين بترديد العبارة الشهيرة "فوت علينا بكرة " . 

 وهذه الموظفة التي تريد توريث وظيفتها لأولادها ، تفرغت في معظم تاريخها الوظيفي، "لتقميع البمية" في مكتبها بدلا من تقميعها في منزلها، لكن الذنب ليس ذنبها، لأنها عينت أصلا في وظيفة حكومية لم تكن بحاجة لجهودها أو لتخصصها.

والحكاية من أولها تبدأ بتوجه المسئول الجديد إلى مقر عمله في اليوم الأول وهو ممتليء حماسا لتنفيذ خطته الرامية للنهوض بمنظومة العمل، وإذا به يرى مكتبه وقد إمتلأ أولا بالمهنئين، ثم تبدأ بعد ذلك شلالات وسيول من المطالب الفئوية ....فهذا يريد من المسئول الجديد أن يرفع عنه الظلم الذي وقع عليه خلال فترة المسئول الذي سبقه.

 وهذا يطالب برفع الإضطهاد الذي يعاني منه من جانب رئيسه المباشر، وهذا يطالب برفع الجزاءات التي وقعت عليه لا لشيء إلا لأنه لم يكن يجامل و ينافق المسئول السابق، وهذا يريد أن يحصل على الترقية التي منعها عنه رئيسه في العمل لأنه يضطهده دون سبب ، وهذا يريد أن يحصل على علاوة إستثنائية ليتساوى مع خريجي نفس دفعته لأنه تأخر في التعيين لأسباب ليس له ذنب فيها.

وهنا يجد المسئول الجديد أن الشهر الأول من توليه قيادة المؤسسة الحكومية قد ذهب سدى، بلا نتائج، فيقرر إغلاق باب مكتبه على نفسه لكي يبدأ العمل الجاد وتنفيذ ما تعهد به أمام القيادة السياسية. 

لكن المسئول يجد نفسه من جديد أنه ليس أكثر دهائا من مرؤوسيه ، فيفاجأ بهم و قد انتظروه أمام سيارته، 
والبعض الآخر ينتظره أمام مكتبه ، فيفاجأ بأنه وجد نفسه في وضع محرج فلا يستطيع إلا أن يدعوا من استوقفه من موظفيه بالدخول لمكتبه فيمتليء المكتب من جديد بالموظفين المتمسكين بتحقيق مطالبهم المادية والفئوية.

وهنا لا يجد المسئول أمامه من وسيلة أخرى في مواجهة من يقفون حائلا دون تحقيق أهدافه التطويرية ، سوى اتخاذ مواقف متشددة حيال مطالبهم بنهرهم و منعهم من دخول مكتبه.


 رغم أن ذلك يدأ يعرضه  لاتهامات بأنه لا يهتم إلا بنفسه، وبالتكييف الذي يجلس فيه، وبالسيارة التي تنقله لبيته، والراتب الكبير الذي يتقاضاه . ولن يجد المسئول أمامه لإبطال هذه الاتهامات سوى تشكيل لجنة لدراسة مطالب كل موظف.

وهنا يعتقد المسئول أنه انتهي من عائق وقفت حائلا دون تفرغه لخطة التطوير، فيفاجأ من جديد بمدير مكتبه 
وهو يطالبه بضرورة التفرغ لأمر في غاية الخطورة، فيضطر من جديد إلى تأجيل موضوع التطوير، حتى يتم الإنتهاء من هذا الموضوع الأخطر على الإطلاق، وهو تدبير الإستحقاقات المالية لصرف منحة رمضان للعاملين و منحة العيد الصغير فضلا عن منحتي العيد الكبير ومنحة دخول المدارس وإلا ستكون النتيجة كارثية لو لم يتم تدبير التمويل اللازم لتوفير هذه الإستحقاقات. 

ولن يجد المسئول الجديد الذي بدأ يفقد بالتدريج مزيدا من حماسه للإنجاز والتطوير، إلا سرعة التحرك، بالاتصال بوزير المالية، أو رئيس الوزراء ، لتدبير التمويل اللازم للاستحقاقات المادية للعاملين، فتستهلك هذه المشكلة جانبا كبيرا من جهوده ، ليفقد نسبة جديدة من حماسه للعمل و الإنجاز. 

وأخيرا و بعد معاناة في تدبير الاستحقاقات اللازمة، يبدأ المسئول في تنفيذ طموحاته الرامية لإحداث الثورة التطويرية المأمولة فيعقد اجتماعا مطولا مع كبار موظفي المؤسسة ، لتنفيذ خطة العمل المشمولة بتحقيق أهداف التطوير، وفقا لجدول زمني محدد . و يدعو المسئول لاجتماع اللجنة لمتابعة ما تم إنجازه حتى الآن، فيجد أن رئيس اللجنة اعتذر في اللحظات الأخيرة بسبب حالة وفاة ، وآخر إدعى أن المجموعة التي كلفها بالعمل أثنين منهم في أجازة مرضية، و ثالث إتهم موظفيه بالكسل والإهمال لتأخرهم عن إنجاز ما طالبهم به وفقا للخطة الموضوعة ليفقد المسئول المتحمس ما بقي لديه من حماس لتحقيق التقدم المأمول ليبدأ في التفكير في تحقيق مصالحه الشخصية ، طالما الجميع يسيرون وفق هذا المنطق.

ويدرك الرئيس عبد الفتاح السيسي، جيدا ، ما يعانيه الجهاز الإداري الحكومي للدولة المصرية ، من معوقات،  
وصعوبات، وبيروقراطية، من خلال خبرته كرجل مخابرات، يتابع كل صغيرة وكبيرة في المجتمع قبل أن يكون رئيسا للجمهورية. 

ولذلك في دولة ليس لديها رفاهية الوقت، حتى تتمكن من تعويض ما فاتها ، فإن الرئيس السيسي مقتنع تمام الاقتناع، بأن القوات المسلحة، هي الوحيدة القادرة على تنفيذ المشروعات الإستراتيجية، والعاجلة ، سواء في مجال البنية التحتية، أو المشروعات القومية الكبرى.

كما يدرك أن القوات المسلحة هي القادرة أيضا على تنفيذ ما يوجه لها من أوامر ، بجودة فائقة، وفي أسرع وقت ممكن، ووفقا للجدول الزمني المحدد . فلو ترك الرئيس السيسي محور قناة السويس ببنيته التحتية الهائلة وعلى رأسها ازدواج القناة.

 ما نجحت مصر فيما نجحت فيه حتى الآن من جذب المستثمرين للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس من الصين، وروسيا، والهند، والإمارات، والسعودية ، ولاستغرق مشروع إزدواج القناة عشر سنوات على الأقل بدلا من سنة واحدة . ولو ترك السيسي شبكة الطرق والموانئ والبنية التحتية للجهاز الحكومي "المعاق" ، لكانت الكهرباء لاتزال.

نقطع، ولكان المصريون لا يزالون يشترون المولدات الكهربائية بآلاف الجنهيات، ولظلوا في ظلام دامس لساعات طويلة .

وفي المقابل، عندما يتلقى اللواء كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، أوامر من الرئيس عبد الفتاح السيسي بتنفيذ مشروع عملاق ، سواء في مجال تحلية مياه البحر، أو إقامة البنية التحتية للمفاعل النووي بالضبعة ، أو إقامة طرق عالمية، وبنية تحتية لخدمة الإقتصاد المصري ، فإن التنفيذ يتم وفقا للجدول الزمي المحدد، 
وبجودة فائقة، و التزام تام من كل العاملين في المشروعات . فالكل يعلم في القوات المسلحة، أن قانون الأحكام العسكرية لن يرحم من يخالف أو يتباطأ في الألتزام بتنفيذ الأوامر، ومن يفعل ذلك سيجد نفسه تحت طائلة سيف هذا القانون بدون قبول حجة " معلهش المرة دي" .

وفي واقع الأمر، لم تأت لي فكرة كتابة هذا المقال بشأن صعوبة قيادة المؤسسات الحكومية المصرية ، إلا عندما جلست مع صديق لي ظل يردد أنه يستطيع ، لو كتب له تولي قيادة أي مؤسسة حكومية ، أن يصلح هذه المؤسسة و يفرض الإنضباط بها في أيام قليلة .... ثم وصلت السخرية مداها و هو يطالبني في نهاية اللقاء، أن أدعوا له أن يدخل منزله بسلام، لأنه يتوقع أن تضربه زوجته " بالشبشب " لأنه لم يلبي لها بعض المطالب الرمضانية ، فضحكت من كل قلبي و قلت له بتخاف من مراتك لتضربك و بتدعي" أنك حتمشي البلد على العجين ما تلخبطه"....عجبي
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط