الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أ

النيل مجاشي


خمس سنوات هي فترة مرحلة البكالوريوس بكلية التربية الموسيقية والتي جمعتني بصديقي وزميل الدراسة "حازم الدفراوي"، شاءت الأقدار أن يسافر "حازم" بعد التخرج للعمل كمدرس للمهارات الموسيقية بسلطنة عُمان، ويأتي إلى مصر في أجازته الصيفية سنويا ليرتمي في أحضان الوطن، ويجتر أيام الصِبا ويسعد بلقاء الأسرة والأصدقاء.

الشهر الماضي في سلطنة عُمان وقبل أن يأتي "حازم" إلى مصر ليقضي أجازته السنوية، استمع بالصدفة إلى أغنية (النيل نجاشي) التي كتب كلماتها "أحمد شوقي"، ووضع لحنها وغناها "محمد عبد الوهاب" في فيلم "الوردة البيضاء" إخراج "محمد كريم"، إنتاج 1933، وبمجرد سماع "حازم" للأغنية قال لزوجته: (النيل وحشني)، فقالت له على الفور (وأنا كمان)، واتفقا على نزهة نيلية فور وصولهما إلى مصر.

دعوني أذكر حضراتكم أولا ببعض كلمات أحمد شوقي والتي صاغها محمد عبد الوهاب بحرفية في مقام الراست وهو أحد المقامات الشرقية.
النيل نجاشي ... حليوة أسمر
عجب للونه دهب و مرمر
أرغوله في إيده .. يسبح لسيده
حياة بلادنا .. يا رب زيدُه
هيلا هوب هيلا .. صلح لي قلوعك ياريس
جت الفلوكة و الملاح ... و نزلنا و ركبنا
حمامة بيضا بفرد جناح ... تودينا وتجيبنا
ودارت الألحان والراح ... وسمعنا وشربنا
صلح لى قلوعك يا ريس ... هيلا هوب هيلا
(نجاشي) كلمة عربية تُعبر عن ملك الحبشة، وتستخدم هذه الكلمة كلقب لكل ملك من ملوك الحبشة، وهنا نجد صورة بلاغية من أمير الشعراء وهو يُجسد نيلنا في صورة ملك حليوة أسمر.
وصل "حازم" إلى مصر هو وأسرته، وذهب إلى والدته، ليأخذ البركة والدعوة التي يعيش على الأرض بفضلها، ثم همس في أذن والدته قائلا: أريد أن أترك أولادي (كريم ونغم) عندك يا أمي لأذهب أنا وزوجتي في نزهة نيلية ليلية بمفردنا حتى نستعيد ذكريات البداية، نعم بداية الحب والأشواق التي جمعتني بزوجتي، وأنا أعي أن أولادنا لن يفهموا ما نشعر به أنا وزوجتي من حنين وذكريات مفعمة بالصفاء والنقاء والهدوء الذي يبعث على تدفق المشاعر من جديد، وأعدك يا أمي بأنني سوف أصطحب أولادي في رحلات أخرى مليئة بالموسيقى والرقص والصخب والألعاب التي تناسب أعمارهم، ولتكن هذه الرحلة (الهادئة) لي أنا وزوجتي فقط.

وبالفعل اصطحب حازم زوجته متجها إلى كورنيش النيل وتحديدًا أمام مبنى التليفزيون وهو يحلم (بالفلوكة و الملاح ... حمامة بيضا بفرد جناح) كما قال شوقي سابقًا، ولكنه وجد الأمور ليست كما كان يتوقع.

تلوث بصري وسمعي منقطع النظير، مراكب متهالكة تحتاج كثيرًا من الصيانة، موسيقى وأغاني صاخبة ولكنها غير مفهومة، وأتحدى أحدًا أن يميز ما إذا كان المغني رجلًا أم امرأة، رقص بطريقة مبالغ فيها من الجنسين، نصف المتواجدون على سطح المركب يرقصون، والطريف أنهم يرقصون معًا دون سابق معرفة، والمشجعون والمهللون لا يعرفون أحدا ممن يرقص ولكنهم متحمسون جدا ويتابعون المبارزة بكل اهتمام، الإضاءة تزعج الأبصار، باعة متجولون يبيعون كل شيء حتى كروت الشحن داخل المركب، متسولون يقتحمون خصوصيتك، صِبْيَة ينتهكون حرماتك بأعينهم، ألفاظ تخدش الحياء تسمعها من هنا وهناك، لاتوجد أي ضوابط أو رقابة تبعث في نفسك الاطمئنان.

عاد "حازم" وزوجته على الفور لمنزل الوالدة دون أن يتم النزهة النيلية، وعند سؤال الوالدة له عن سبب عودتهما مبكرا، أجابها "حازم" بكل أسى (النيل مجاشي)....... دُمتم بخير وفن.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط