الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الشهوات.. أنواعها ومواقعها في المخ


أخبر القرآن الكريم عن الشهوات الرئيسية للإنسان ورتبها في إحدى الآيات كما يلي: النساء والبنون والمال والزينة والبطن.. ففي سورة آل عمران "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث" (14)، واختلف المفسرون حول معنى كلمة "مسومة"، والأرجح هو المزينة المدربة، والأنعام والحرث دلالة على ما يؤكل من الأنعام والزرع.. وقال الإمام علي كرم الله وجهه: "ملاذ الدنيا سبعة: المأكول والمشروب والملبوس والمنكوح والمركوب والمشموم والمسموع"، ويبدو الترابط واضحا بين كلمتي الشهوات والملذات، إذا كان تعريف الشهوة هو "توقان النفس إلى ما يلذ"..
كل المخلوقات الحية وفي مقدمتها الإنسان منقادة لتلك الشهوات، إما أن تحقق من خلالها السعادة والرضا، وإما أن تقودها إلى الغفلة والضياع، لذا وضعت لها أعراف وقوانين صارمة من أجل سلامة الفرد والمجتمع ومراعاة حدود الله فيها.
في مخ الإنسان مراكز متخصصة لهذه الشهوات، تنشط وتتوهج وتجعل صاحبها لا يهدأ إلا إذا حصل عليها كلها أو بعضها، وأمكن رؤية هذه المراكز وهي تعمل من خلال تقنية "الرنين المغناطيسي الوظيفي"، وعليه، فإن من وضع هذه الشهوات هو الخالق سبحانه إذ هيأ في المخ مراكز محددة لكل شهوة.. هذه المعلومة لم تكن متاحة للمفسرين القدامى لذا نسب بعضهم حب الشهوات إلى الشيطان، إلا أن الطب الحديث أبعد نفسه عن المسائل الخلافية والتزم بالتجربة والمشاهدة..
تصدرت النساء ترتيب الشهوات في الآية أعلاه، واستحوزت على النصيب الأكبر من مخ الرجل بصفتها الفتنة الأشد، وفي الحديث الصحيح "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".. حوالي عشرة مراكز وسبعة هرمونات تنشط عند حب الرجل للمرأة والعكس، ومركز التحكم الرئيسي في العلاقة بينهما وضعه الله على الكروموزوم 20.. انجذاب الرجل للمرأة تصاحبه نشوة من السعادة والنشاط ودافع لزيادة الإنتاج والإبداع وقلة النوم.. وشبه العلماء نشوة الحب بنشوة الكوكايين، وعواقب الفشل في الحب قاسية وتشبه ما يحدث للمدمن عندما يتوقف عن تعاطي المخدرات.. ومع التشابه بين كل المخلوقات من حيث علاقة الذكر بالأنثى، إلا أن هناك اختلافا جوهريا بين الإنسان والحيوان في شكل هذه العلاقة، فأنثى الحيوان لا تمارس الجنس على أنه لذة متجددة كالإنسان، بل في أوقات محددة تفرضها ظروف دورتها النزوية ونادرا ما تقبله في أوقات أخرى..
وفي المخ أيضا مراكز لحب الأطفال والعناية بهم، أبرزها "أنوية تحت المهاد والغدة النخامية" وحتى "النواة المتكئة" المختصة بحب المال ثبت أن بها جزء لحب الأطفال أيضا.. وأغلب هذه المراكز يوجد لها نظائر في الحيوانات والطيور وباقي الكائنات، فهي التي تدفعها للبحث عن طعام أو شريك، وبناء عش والرقاد على البيض والعناية بالصغار.. وإن كانت الحيوانات والطيور لا تعرف المال، لكنها تفهم جيدا معنى الملكية والروابط الأسرية، ولا يمكن بأي حال القول بأن الشيطان زين لها هذه الشهوات، مثلما سبق وقال بعض المفسرين عن الإنسان.
القناطير المقنطرة تعني المال الكثير، حقيقيا كان أم تقديريا، والمال هو الوسيلة التي اتفق عليها البشر فيما بينهم لقياس الملكية والقدرة الشرائية بعد نظام المبادلة القديم، وهو أمان وحماية لأن به يمكن شراء منزل وتحمل نفقات زواج وتربية أطفال وتحقيق أمنيات، وكان سبحانه وهو الأعلم بما سيحدث، قد سبق وهيأ للمال مركزا في مخ الإنسان يقع عند قاع المخ أيضا يسمى "النواة المتكئة"، تثار وتشتعل عند امتلاك صاحبها للمال (وللأطفال كما ذكرنا)، واشتعالها هذا يسبب نشوة كنشوة الكوكايين أو نشوة المحبين، يخفف الألم ويزيل التوتر ويمنح السعادة والثقة في النفس، لكن للأسف، لنشاطها هذا تحت تأثير المال أثر سلبي أيضا، فأحيانا يهدم القيم ويزيد من قسوة القلوب ويجعل الناس أكثر بخلا وميلا للتهور..
وقال العلماء إن شهوة البطن من المهلكات لأنها تثقل البدن وتغطي مكان الفكر في المخ، وأجمع الفقهاء والأطباء على ضرورة الحذر منها، وأبدع الإمام الغزالي في شرح كيفية كسر الشهوتين الفرج والبطن.
خلاصة القول إننا نجد للمرة الأولى هنا تفسيرا وفهما جديدا للفعل الماضي المبني للمجهول "زُيِّنَ" الذي ورد في الآية.. الفاعل هنا محذوف تعظيما وتشريفا وهو الخالق سبحانه وتعالى، والفعل الماضي دلالة على أن العمل سبق إنجازه، أي أن الله سبق وزين للإنسان حب الشهوات من النساء والبنين والمال والطعام منذ أن خلق آدم.. وكيف زينها ؟ زينها له بأن وضع في مخه مراكز متخصصة لكل منها، هي التي تحركه وتدفعه بقوة وإلحاح للحصول عليها من خلال دوافع ورغبات تصعب عليه مقاومتها.. وبقدر ما سيحصل الإنسان منها سوف يسأل عنه.. "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" (الملك 2)..

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط