الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الهوية المصرية ودرس السنغال


كشفت حملة السخرية التي تعرضت لها وزيرة الصحة ، هالة زايد ، بعد مطالبتها بعزف السلام الجمهوري في المستشفيات ، لتعزيز الانتماء الوطني ، وإيقاظ الضمير الغائب، و معالجة ثقافة الإهمال و اللامبالاة التي تفشت في المستشفيات ، عن حدوث تغير مخيف في الهوية المصرية لدى بعض المصريين . وظهر هذا التغير ، في الهوية المصرية بوضوح من خلال استخدام النشيد الوطني على مواقع التواصل الاجتماعي كمادة تهكم و سخرية من وزيرة الصحة . وعلى الرغم من أن التوفيق ربما يكون قد خان الوزيرة في مطلبها ، على أساس أن المستشفيات ليست مكانا مناسبا لكي يعزف السلام الوطني داخل جدرانها ، لكن للوزيرة كل الحق في أن كثيرا مما نعانيه ، يعود لنقص في الوطنية والانتماء وغياب الضمير .

ولذلك وقع اختيار المؤتمر السادس للشباب الذي عقد مؤخرا بجامعة القاهرة على " الحفاظ على الهوية المصرية" ليكون على رأس جدول أعماله بعد أن أصبحت الهوية المصرية ، التي تميزت دائما بالوسطية وشدة الانتماء ، تواجه تهديدا حقيقيا سواء من التيار الديني المتشدد، المنغلق ، الصحراوي، الوهابي، أو من التيار الإباحي، المنحل، المستهتر.

وقبل أن أسترسل في الحديث عن مزاعم البعض، بأن ضعف الرواتب هو السبب الوحيد لغياب الضمير ، وضعف الوطنية ، لدى بعض الأطباء والممرضين في المستشفيات ، سأسرد ما حدث أمامي في السنغال، تلك الدولة الإفريقية الواقعة في أقصى غرب القارة السمراء، بخصوص كيفية قيام الدولة بفرض احترام السلام الجمهوري للوطن لدرجة الوصول بهذا الاحترام إلى مكانة التقديس . فعندما كنت مديرا للمكتب الصحفي لوكالة أنباء الشرق الأوسط بالسنغال، شاهدت واقعة ظلت عالقة في ذهني حتى اليوم، و برزت أكثر أمام عيني ، و أنا أشاهد من يرقصون ، و يتهكمون، على وزيرة الصحة ، بالاستخفاف من النشيد الوطني المصري ، في فيديوهات بثت على شبكات التواصل الاجتماعي . 

 فعندما كنت بصدد الصعود لوكالة الأنباء السنغالية ، الواقعة في مبنى وزارة الإعلام بوسط العاصمة ، داكار، فوجئت باثنين من رجال الأمن الأشداء ، ينقضان بعنف و قسوة على مواطن سنغالي، ويطرحانه أرضا ، ثم قاما بتقييده ، بوضع الكلبشات بيديه قبل أن يقتاداه إلى سيارة الشرطة الواقفة أمام الوزارة . و عندما عبرت عن دهشتي من تصرف رجلي الأمن خاصة أن الرجل ، كما بدا لي ، لم يرتكب أي خطأ يتطلب معاملته بهذه القسوة، والشدة، و العنف .. رد عليّ أحدهما قائلا أيها المواطن الأجنبي كيف تتجرأ وتقول أنه لم يرتكب أي خطأ ..بل ارتكب جرما عندما واصل السير و نحن نرفع العلم على صوت النشيد الوطني السنغالي ، وكان ينبغي عليه التوقف في مكانه ، احتراما للسلام الوطني و علم السنغال . وعندما سألته وهل ينطبق ذلك عليّ و أنا أجنبي و لست سنغاليا؟ فأجاب قائلا " طالما أنت صحفي و تأتي كثيرا لمبنى وزارة الإعلام السنغالية التي يتم على مبناها تحية العلم مرتين يوميا صباحا وعند نهاية العمل فعليك احترام السلام الوطني السنغالي مثلما تحترم السلام الوطني لبلادك وإلا سينالك مثلما نال المواطن السنغالي من عقاب ". وأتذكر أنني عندما استعلمت بعد ذلك على مصير هذا المواطن السنغالي الذي لم يحترم السلام الوطني لبلاده ، علمت أنه خضع لمحاكمة سريعة ، و صدر بحقه حكما بالسجن لمدة 7 أيام .

وعودة لقرار وزيرة الصحة ، سنجد أن حملة السخرية و التهكم من قرارها بعزف السلام الوطني تركزت ، على غير الواقع ، على جانب واحد فقط و هو أن العيب يكمن في ضعف الرواتب ، و الإهمال الحكومي في المستشفيات، وليس في التغير الذي أصاب الهوية الوطنية المصرية لأسباب متعددة على رأسها مواقع التواصل الإجتماعي التي أصبح يستخدمها أعداء الوطن لتدمير الانتماء الوطني في قلوب المصريين خاصة في قلوب الشباب الذي يمثلون نحو 60 في المائة من الشعب المصري . ولو افترضنا جدلا ، أن سبب الإهمال في المستشفيات الحكومية يعود فقط لضعف الرواتب ، و ليس لغياب الضمير، و ضعف الوازع الوطني، والإنساني ، فبماذا نبرر الإهمال وغياب الضمير في مستشفيات خاصة، يتكلف فيها المريض أكثر من 20 ألف جنيه في اليوم الواحد، لو تم إدخاله في غرفة العناية المركزة، ثم يخرج المريض من المستشفى الخاص بعد أن يسدد عشرات الآلاف من الجنيهات دون أن يحظى بالرعاية الطبية اللازمة ، و حتى دون أن يعرف سبب الوعكة الصحية التي ألمت به ، و في كثير من الأحوال تزداد حالة المريض الصحية تدهورا عما كانت عليه . 

ومن يتابع ما حدث للشخصية المصرية خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011 سيتبين له بوضوح أننا أصبحنا نعاني من نقص في الضمير ، و الإنتماء، و الوطنية، و الدليل على ذلك هو ما حدث في كأس العالم .... إذن بماذا تفسرون هزائم و فشل منتخب "الساجدين" في كأس العالم سوى غياب الضمير، و الانتماء الوطني، وأقل لاعب من لاعبي المنتخب يحصل من ناديه في الداخل أو الخارج على عشرات الملايين من الجنيهات . و لو عقدنا مقارنة بين لاعب منتخب أوروجواي ، خوسيه خيمينيز ، الذي انخرط في البكاء قبل انتهاء مباراة أوروجواي مع منتخب فرنسا بعد أن شعر باقتراب خروج بلاده من ربع نهائي كأس العالم وبين مسئول في اتحاد الكرة المصري انخرط في حالة سعادة هيستيرية لهزيمة مصر من أوروجواي في دوري المجموعات بعد أن احتفظ بلقب صاحب هدف مصر الوحيد في كأس العالم 1990 سيعرف الساخرون من وزيرة الصحة أن السبب يكمن في غياب الوطنية، والضمير وعدم تحمل المسئولية وليس في ضعف الرواتب .. ولذلك فقد أصر الرئيس السيسي على أن يأتي على رأس جدول أعمال المؤتمر السادس للشباب بجامعة القاهرة قضية " الحفاظ على الهوية المصرية "..ولذلك أقول  إن وزيرة كانت على حق والساخرين كانوا على باطل ..." واللي عايز يزعل من كلامي يزعل" .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط