الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الكبوة


قديمًا قيل في المثل الشعبي لكل جواد كبوة، فمهما كان الجواد قوي وذو بنيان متين فإنه قد يتعرض في يوم من الأيام إلي عثرات الحياة، حتي الجواد كما الإنسان كل يتعرض إلي كبوته، والنتيجة حتمًا ستكون مختلفة، ربما تسقط في عثرات الطريق ولكن لكل منا ردة فعل، قد تقوم وتمضي في طريقك قدمًا رغم الألم الذي تشعر به من أثر الوقوع، وقد تسقط للنهاية دون مقاومة ، ودون محاولة لتحدي العثرات . أنت صاحب الاختيار.

أحيانًا يشعر الإنسان أنه قد نُزع من حياته فتمزق، ولا يستطيع أن يلملم شتات نفسه ، ويحيا بين الماضي والحاضر في التيه ويكأنه سقط في بئر يملؤه الضباب لا يستطيع أن يري يديه ولا يميز قدميه، يشعر حينها أنه يسقط إلي الهاوية إلي الأبد، فيملؤه الظلام والخوف ويظل في التيه حتي يجد من ينقذه، إما رحمة المولي عز وجل، وإما يد ممدودة بعثها الله إليه لتسحبه من بئر الضباب.

يمكنك أن تقف وتراجع حياتك، بكل تركيز ودقة وتراقب الأحداث متي سقطت في الكبوة، و متي تنبهت وقاومت فنجوت، عندما تتعثر قدماك في الطريق ، حاول أن تهدأ ولا تعطي الحياة أكثر من قيمتها مهما كانت الأحداث مؤلمة ومهما كانت التضحية، لا تبكي علي العمر الذي راح، ولا تنتظر أن يمحي التاريخ مرار الأيام، فالذكريات المؤلمة لا تُنسي مهما مر الزمن، ربما تهدأ وطئتها ولكن تبقي في الذاكرة تستحضرها أينما شئت وربما تجبرك المواقف أحيانًا علي تذكرها.

إذا اختبرتك الحياة وانتُزِعْت من حياتك ووجدت نفسك فجأة لا تري الأمور من حولك، ولا تستطيع تقبلها، هدإ من روعك وتناسي الأزمة وحاول أن تبعث الأمل بداخلك من جديد لعله خير ، قد يختبرك الله ليعوضك ويمنحك حياة أفضل مما عشت، كل ما هو غير معلوم للمرء يصاحبه إحساس مخيف، فالمصير المجهول يُرهب صاحبه ، وربما يدمر ما تبقي من ثبات روحه إذا استسلم للرهبة، إذا مالت كفة الحياة بك ، حاول من جديد واصبر واحتسب لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرًا فيه نجاتك وراحتك.

كل ما عليك هو التمسك بالرضا بما قسمه الله لك، ولا تحزن إن سألت إنسانًا أن يمد يد العون لك فأدار وجهه عنك، تذكر قصة يوسف عليه السلام حينما فسر الرؤيا لاثنين في السجن حين سُجن ظلمًا وبهتانًا، وقال لمن ظن أنه سينجي اذكرني عند ربك فانساه الشيطان " وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ " ربما أراد الله ذلك لأنه سأل غيره فأراد الله أن يبقيه ليتذكر أن الملك بيد الله وحده، ورغمًا عن ذلك مرت فترة الظلم وولت وعوض الله يوسف عن ظلم بَيِّن وقع عليه وآتَاه الملك و أصلح بينه وبين إخوته وأعاده إلي أبيه وتحققت رؤياه وسجدوا له.

يقول رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم لَا حَلِيمَ إِلَّا ذُو عَثْرَةٍ، وَلَا حَكِيمَ إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ رغم ضعف الحديث إلا أن معناه حقيقي فالتجربة خير معلم ومنها تستطيع أن تستنبط الحكمة بكل سهولة ويسر وحينها تكون قد أوتيت الخير الكثير كما قال المولي عز وجل وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ، والحليم كذلك مهما ظن أنه متمهلًا في أموره من الممكن أن يتعثر وتُشَق الأرض من تحت قديمه ويوشك أن يسقط، التجارب كلها عثرات، والتعلم يأتي بعد شقاء ، المهم أن تستفيد من التجربة مهما أظلمت الأيام من حولك، انتظر الخير وتفاءل وابتسم، ماهي إلا أيّام في لعبة توشك علي الانتهاء ، فامحو المر واترك في ذاكرتك أثرًا لحلو المذاق واستحضره كلمت مَرَرَت الأحداث حياتك.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط