الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

اليأس


مع الأسف الشديد يتملك اليأس من بعض الأرواح فتكره الحياة وتسود القلوب وتتمنى الموت وتتناسى رحمة المولى عز وجل، مما لا شك فيه أن لكل عذره ربما ضاقت الحياة بالبعض فوجدوا أنفسهم في رغبة ملحة للهروب من هذا الكون الزائل لتنتهي قصة كتابهم ويعودوا إلى المولي الحق العدل، ربما يسيطر على البعض فكرة أن لا حلول لبعض المشاكل الحياتية كالفقر أو بعض المشاكل العاطفية فتتحول الحياة إلى سراب يسعى المرء للخروج منه بشتى الطرق لعله يجد الحياة الحقيقية بعد الموت.

أجد نفسي مع الأسف رغم حرمة الجسد ورغم حرمة قتل النفس إلا أنني التمس للبعض العذر، فالزمن الذي نحيا به زمن شديد التعقيد ومختلف عن الأزمان الماضية التي هبط فيها الوحي والتي تواجد فيها الأنبياء والرسل، زمن إنهارت فيه القيم واختل فيه ميزان العدل وازداد فيه الفجور والبعد عن الأديان.

أرى البعض يحيا حياة المضطر ولا يجد من يمد إليه يد العون إما بالنصيحة وإما بالاحتضان حتى يتخطى أزمته فيعود عن يأسه ويتجه إلى الاستغفار ويحيا حتى يُنهي المولى عز وجل كتابه ويأتي أجله، الغلاء الذي يحيط بالبعض مع عدم الإيمان بقدرة المولى عز وجل على تغيير الأحوال وأن الرزق بيده وحده يؤتيه لمن يشاء بغير حساب، عدم الإيمان بتلك القدرة الإلهية يقتل اليقين ويُذهب العقل فلا يجد المرء أمامه إلا الانتحار للخلاص من ظلم العباد أحيانا ومن قلة الحيلة أحيانا أُخرى.

تألمت كثيرًا لمتابعة بعض حالات الانتحار التي حدثت خلال الفترة الماضية، أمرُ محزن ويدعو للتفكر والتأمل في واقع الحياة الذي أصبح مريرًا ولا يُحتمل، والقضية هنا قضية يقين من الدرجة الأولى، تَغَيَب الوعي الديني، وانتشر الفساد الأخلاقي وانهارت المبادئ، لم يعد الحال كما كان في الماضي، ربما نحتاج إلى تطوير الخطاب الديني والتركيز على دور الأزهر والكنيسة لتثبيت العقيدة لدى طبقات الشعب المختلفة، ربما نحتاج إلى زيادة التكافل الاجتماعي والإحساس بالآخر حتى نعيد الأمل في النفوس التي أصبحت هشة وقابلة للانهيار، فالحياة بلا أمل موت محتم، وأشد من موت الجسد وصعود الروح إلي خالقها، الموت على الأرض أشد وطأة ولا يمكن تحمله.

وحالات اليأس ليست بالجديدة على الأرض إنما تمر بأزهي عصورها بعد اختفاء الوعي الديني لدى العديد من البشر، وقد ذكر الله تعالي بعض تلك الحالات في كتابه الكريم فقد قال علي لسان نبيه يعقوب يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ، رغم شدة المِحنة التي كان يمر بها نبي الله يعقوب عليه السلام وفقدانه لأحب أولاده إلى قلبه وشدة حزنه عليهما إلا إنه نصح أولاده بعدم اليأس وبث فيهم الأمل من جديد لإعادة المحاولة والسعي لعلهم يجدون مخرجًا لهذا البلاء.

كل ما نحتاجه هو بث الأمل في النفوس والدعوة إلى اليقين بالله ولكن بخطاب جديد مقنع ومتناسب مع هذا الزمن الصعب، حتى نستطيع أن نعيد للأرواح الحياة فلا نتحول إلى مسخ لا معني له من الأحياء الأموات، أو يتزايد معدل الانتحار من شدة ما أصاب الأرواح من عمي، لعل العديد من البشر يحتاج للقناعة بقوله تعالي قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، مهما كانت الأزمة يستطيع المولي عز وجل أن يُبدل الحال وأن ينجي المرء من بلائه وأن يرزق من يشاء، نجّا الله موسى من فرعون وجنوده، ونجّا الله إبراهيم من النار ونجّا أيوب من المرض وأخرج يونس من بطن الحوت، فمهما كانت مأساتك تأكد أن عند الله الحل والنجاة.

كل ما عليك أن تذكر نفسك دائمًا أن للأرض ملك عظيم هو الذي يراقبك ويسمع شكواك ويستطيع أن يخرجك من أزمتك ويرفع الظلم عنك، ويرد إليك حقك، ويعيد إليك العزة والكرامة، الثقة في المولي عز وجل هي السبيل الوحيد للخلاص مهما اشتدت الأزمات ومهما كانت المصيبة، "الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ".
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط