الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خَضَّروُها عَلى الطريقةِ اليُونانية


لعل اللافت للنظر لكل من سافر إلى أوروبا هو تلك المساحات الكثيفة من الخضرة والأشجار التي تكسو شوارعها النظيفة وطرقها السريعة، وعلى ضفاف أنهارها وغيرها تنتشر؛ ويزيدها جمالًا هدوء الطبيعة وتبسمها في وجه كل مرتاد لها، وجمال الأنهار وصفاء الماء الذي ينساب رقراقًا بين أنامل العشاق. لوحة فنية تسر الناظرين وكل من جاب بالقطار بلدانها.

لم أستطع أن أمنع نفسي وأنا راكب القطار السريع ذات يوم من أيام يوليو 2016 متجهًا من فرانكفورت إلى برلين، وأنا أطالع القلاع حول نهر الراين والمراكب النهرية تتهدهد فوق أمواجه الهادئة، من المقارنة بين ما رأيته هناك وبين ما ألفت رؤيته في مصر المحروسة، فهنا لم أر خضرة تكسو الطرق السريعة إلا في الوجه البحري وأنا متجه إلى بلدتي عند قاهرة الفرنجة وملوكهم (المنصورة)، وكثيرًا ما أتوقف بسيارتي عند حافة البحر الكبير لأتنسم هواء مزارعها، الذي دومًا يثلج صدري.

وما أن أعود إلى القاهرة إلا وتنتابني حالة من التمرد، وتزحف الغيوم نحوي، وأنا سائر في شوارعها مطالعًا أشجارها التي هرمت وولى الجمال عنها؛ رغم يقيني أنها زُرعت لتسر الناظرين لا لتحبس عنهم عوارفها. ولم تعد نباتات الكانَّا أو الجرانيا أو الوينكا ذات الأزهار البديعة الألوان وغيرها تزين الجزر كما كانت قديمًا، والنجيلة الخضراء أوشكت على الاحتضار عدا أحياء الصفوة والأثرياء. 

وكثيرًا ما سئلت نفسي: عقود طويلة أطالع هذه الأشجار بشوارع القاهرة المُعزية فلا هي ذات نفع للناس ولا هي قادرة على البقاء وتنقية الهواء؟ لماذا لم يفكر المسؤولون في أمر استبدال تلك الأشجار العقيمة بأشجار مثمرة؟ 
ولنا في التجربة اليونانية عبرة حسنة، فشوارع اليونان جميعها مزروعة بأشجار البرتقال واليوسفي والزيتون، وجمالها في لون ثمارها البرتقالية اللون وهي تزين الشوارع، والألطف أن المواطنين لا يتكالبون على تلك الأشجار ولا يقطفون ثمارها، التي تألفها متساقطة تفترش الأرض حول جذوع أشجارها.

ألم يفكر أحد المسئولين في هذه الفكرة ووجه بتنفيذها؟

مشكلتنا الأساسية أن أفكارنا لا تتجدد أو تتطور إلا بشق الأنفس، ونسير بنظرية «ليس في الإمكان أبدع مما كان»! فمن بعد محمد علي باشا والزراعة في مصر متفاوتة من عهد إلى آخر. ونتفق جميعًا على أن النهضة الزراعية الحقيقة التي شهدتها مصر عبر تاريخها كانت في عهد محمد علي باشا وأولاده.

فقد عمد الباشا إلى إدخال كافة الأشجار المنتجة للأخشاب إلى مصر، لحاجة مصر إليها في الصناعة والبناء والأسطول. وعرفنا كمًا كبيرًا من مسميات الأشجار منها الكافور والجزروين والصمغ والجميز وأنواع أخرى لا تزال بقاياها في حديقة الأورمان وحديقة الحيوان بالجيزة شاهدة على ذلك. ومنذ ذلك الوقت أصبحت الأشجار المنتجة للأخشاب قرينة طرقات مصر المحروسة، ولكن هيهات بين غرس محمد على وغرسنا الآن.

وللأمانة، يجب القول أن هناك بعض الشوارع مؤخرًا تزينت بشتلات من نخيل البلح، الذي من المؤكد أن مهندسي البساتين بالأحياء يدركون أنها ستحتاج عناية خاصة وعلاجات سنوية حتى لا ينخر السوس في جذوعها، والتلقيح، والتقليم السنوي الذي يتم بأوناش نظرًا لارتفاعها، وغير ذلك مما يتطلبه نخيل البلح. وهذا المشهد سيكون بديعًا بحق، يشبه ما هو موجود في شوارع الرياض ودبي وغيرهما. على كلٍ، يعد هذا تطورًا ملموسًا في رؤية المسؤولين لتجميل وتطوير الأحياء، لابد أن نبرزه. 

وفي هذا السياق، يجب أن نثمن مبادرة السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي التي أطلقها لزراعة مليون شجرة مثمرة، وهي رؤية ثاقبة لم يسبقه إليها مسئول لنحذو من خلالها حذو الدول الأوروبية، كما في التجربة اليونانية، ونتجه إلى تشجير شوارعنا بأصناف من الأشجار المثمرة، فلا بأس أن يُشَّجر هذا الشارع بشتلات الزيتون، وذاك الشارع بشتلات البرتقال أو الليمون أو الرومان.

وهكذا...فإن الفائدة ستكون أشمل وأعم، والمنظر سيكون أكثر جمالًا وبهاءً، خاصة عندما تُطلق تلك الأشجار فروعًا وارفة في موسم الربيع مُزهرة، يفوح منها رحيق أخَّاذ، قد يخفف عن أبنائها عناء الحياة.


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط