الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الأسطى !


منذ أكثر من ٢١ عاما عندما بدأت حياتى الصحفية فى مؤسسة الاهرام التحقت للتدريب بالأهرام المسائى وقد حالفنى الحظ وقام بتدريبى الاستاذ الكبير سمير صبحى الملقب فى ذلك الوقت بالجورنالجى وتعلمت منه الكثير عن مبادئ المهنة وكيفية كتابة الخبر الصحفى وكنت سعيدة جدا بوجودى بهذه المؤسسة العملاقة والتى تضم كبار الكتاب والصحفيين بمصر والذين قد اعتدت على قراءة مقالاتهم فى جريدتى الغراء التى لم يمر علينا يوم انا واسرتى دون قراءتها فقد كانت احد اهم طقوس حياتنا اليومية لذا فقد تربيت على قراءة هذه المقالات وزاد ارتباطى الوثيق بالجريدة يوما تلو الاخر حتى كبرت قليلا وبدأت اتابع مجلة الشباب وهى إحدى إصدارات المؤسسة والتى كانت اقوى مجلة متخصصة للشباب فى مصر ولم يكن هناك احد فى ارجاء المحروسة لا يتابع مغامراتها وتحقيقاتها وحواراتها التى كانت تمسنا بقوة وكنا ننتظرها بفارغ الصبر فى اليوم الأول من كل شهر وكأننا ننتظر هلال العيد وكان رئيس تحريرها فى ذلك الوقت الصحفى والكاتب الكبير عبدالوهاب مطاوع صاحب بريد الجمعة الباب الأشهر على الإطلاق فى عدد الأهرام الاسبوعى.

لا أخفيكم سرا ...كان حبى وإعجابى للكاتب عبدالوهاب مطاوع ومقالاته يزداد كلما كبرت وتمنت لو التقيه لمرة واحدة وعندما شاءت الأقدار وبدأت التدريب فى الأهرام المسائى ظل هذا الأمل يراودنى كثيرا خاصة وانى أتدرب فى نفس المؤسسة التى يعمل بها استاذ الصحافة الافضل من وجهة نظرى ...وفى يوم من الايام استجمعت شجاعتى وافصحت للاستاذ سمير صبحى عن رغبتى فى التدريب بمجلة الشباب معشوقتي الأولى فى ذلك الوقت ولكنه رفض دون إبداء أسباب ….حزنت وقتها كثيرا ولم أفهم لماذا كان الرفض لتمر الايام والشهور لأجد الاستاذ سمير يقول لى بعد أن سلمته موضوعا صحفيا لم يعدل عليه كلمة ….الآن يمكنك الذهاب للتدريب عند عبدالوهاب مطاوع ...لم استوعب الجملة من الوهلة الأولى ثم تداركت الموقف وسألته...مش فاهمة يا ريس …..فقال لى الان اصبح لديك من المبادئ الأساسية ما يجعلنى أستطيع أن أرسلك للعمل مع عبدالوهاب دون قلق … خرجت من مكتب الاستاذ سمير وانا لا أتمالك نفسى من الفرحة اخيرا سأرى الاستاذ ….اخيرا سيتحقق حلمى بالتدريب على يديه.

وبالفعل ذهبت لمكتب الاستاذ عبدالوهاب مطاوع بمجلة الشباب وطلبت من مديرة مكتبه ان اقابله...فدخلت إليه وخرجت واخبرتنى ان الاستاذ سيقابلنى الآن... فتهللت اساريرى وبدأت ارتب اوراقى وافكارى وماذا سأقول له فى اول لقاء بيننا ….وتقدمت وطرقت الباب ودخلت ووجدته جالسا على مكتبه وطلب منى ان اجلس أمامه …. وجلست وارتسمت ابتسامة سعادة عريضة على وجهى لم استطع ان اسيطر عليها او ان اخفيها امام حضرة الاستاذ … ولكن انتابتنى حالة ارتباك شديدة سريعا ما تلاشت بمجرد أن تحدث معى الاستاذ عبدالوهاب سألنى عن سبب المعاد ….فقلت له انى من محبيه وقارئة جيدة لكافة مقالاته ومعجبة جدا بمجلة الشباب التى تتحدث بلسان حالنا ثم عرضت عليه ملفا لموضوعاتى بالأهرام المسائى وطلبت منه أن يسمح لى بفرصة أن أكون أحد أفراد كتيبة مجلته وان اتتلمذ على يديه….

فابتسم الاستاذ وهو يفر فى الملف الخاص بى .. ثم نظر إلى وقال ولكن لديك فرصة للتدريب بإصدار آخر فلماذا تصرين على التدريب بالمجلة … فقلت له لانى اريد ان اتعلم مهنة الصحافة على أصولها والذى اعرفه ان من يريد ان يتعلم مهنة بجد فعليه أن يتعلمها من الاسطى بتاعها علشان يشرب المهنة على أصولها...وحضرتك بالنسبة لى اسطى الصحافة فى مصر … فضحك الاستاذ عبدالوهاب مطاوع بشدة وقال لى حرفيا …..اسطى مرة واحدة … فقلت له طبعا ...ده اقل وصف لصحفى عبقرى زى حضرتك ….فاغلق الملف الخاص بى ومد يده لى مصافحا وقال لى اهلا وسهلا بك معانا يا مروة ….. 

لم أصدق نفسى من الفرحة وقتها ولم اعرف حتى الان من أين أتيت بهذا الرد ولكن ما اعرفه جيدا ان لقب الاسطى فى الماضى لم يكن يطلق على اى شخص بل كان وصفا للمبدع فى مهنته المخلص لها والذى يؤديها بحب وباتقان وحرافية شديدة فتعطى الكلمة صاحبها قيمة كبيرة وهذا ما لمسته من ابتسامة الاستاذ عبدالوهاب مطاوع عندما وصفته بهذا الوصف ولكن للاسف بدأ مفهوم هذه الكلمة القيمة يتلاشى تدريجيا مع مرور الايام ولم يعد الكثيرون يدركون اهمية اتقان مهنتهم اى كانت المهنة ولا يبذلون اى جهد فى تطوير ادواتهم وأصبحت المهنة لجلب المال فقط دون البحث عن تحقيق الذات. 

وحتى نعيد للكلمة رونقها من جديد وحتى نخلق مبدعين جدد فى كل المجالات لابد ان يحكم كل منا ضميره وان يحب ما يعمل ويخلص له وان يطور نفسه باستمرار واللا يبخل بوقته وجهده فى تعليم اجيال من ورائه وان يبحث بداخل كل واحد منهم عن اسطى جديد قادر على استكمال المسيرة من بعده. 


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط