الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل تركيا بلد مناسب للهجرة؟!


"عايز أهاجر تركيا أدرس وأعيش هناك".. جملة تتردد كثيرًا أمامي ويصادفني صفحات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الكترونية تروج لجامعات في تركيا تفتح باب التقدم لديها للدراسة بأقل وأسهل الشروط الأكاديمية للالتحاق وتمثل بالأحرى سلما خلفيا للهجرة إلى تركيا، حلم رسمته الأعمال الفنية والدرامية في أذهان الشباب العربي عبر بث الأفلام والمسلسلات والأغاني التركية كمرآة لحياة مرفهة على الطراز الأوروبي على حد وصفها!

وفي المنتصف.. يعيش وسطاء ونصابون والجميع يصطاد في الماء العكر مستغلين تأزم الظروف المعيشية في البلدان العربية خاصة التي شهدت الربيع العربي سواء بسبب الصراعات التي لم تحسم حتى الأن مثل سوريا واليمن أو السياسات الحكومية التقشفية القاسية لدى الأخرى.

ووفق الموقع الالكتروني لوزارة الخارجية التركية يعيش نحو 6 ملايين تركي خارج البلاد منهم 4 ملايين يعيشون في المانيا وحدها وهو عدد مرتفع بلا شك رغم أنه لم يشمل غير المقيدين بالقنصليات التركية، كما يراه البعض مؤشرًا غير كاف لإثبات تركيا طاردة للهجرة!

لنلقي نظرة على الأوضاع الداخلية هناك، ففي 19 نوفمبر 2017، نشرت جريدة "الزمان" التركية مقالا يؤكد على وجود 16 مليون تركي تحت خط الفقر بينما 52 مليون شخص يعيشون على الديون والاقتراض من البنوك و13.5 مليون يواجهون صعوبة في تلبية نفقات السكن كما وصل معدل التضخم إلى 16% بسبب ارتفاع الأسعار حيث زاد ثمن بعض السلع الغذائية نحو 31%، كما أسندت الصحيفة تلك الأرقام إلى بيانات هيئة الإحصاء التركية.

ووسط هذا الزحام من الأرقام، وفي مقال نشرته جريدة "أحوال تركية" في نفس العام تحت عنوان "الفقر يزحف سريعًا في تركيا.. أزمة متفاقمة وحلول هزيلة"، تم إلقاء الضوء على تفاقم مشكلة عمالة الأطفال إذ وصل عددهم لنحو 900 ألف يتراوح سنهم بين 6 و17 سنة نصفهم محروم من التعليم بسبب تزايد معدلات الفقر بتركيا وتعتبر منطقتا شمال شرق الاناضول وجنوب شرقها الأكثر تتضررًا ولذلك أسباب سياسية قوية أهمها متاخمة مدن الأكراد بنظرائها في المدن السورية التي تشهد مواجهات عسكرية.

أما البطالة، وفق مقال نشرته شبكة سي إن إن الإخبارية في 17 سبتمبر 2018، فقد ارتفعت نسبتها لتتجاوز حاجز الـ 10%، أما الشباب بالفترة العمرية 15-24 سنة فتصل إلى 19.4% وهي نسبة عالية، وتعد كل تلك الأرقام حقائق وأسبابا كافية لرغبة الأتراك في مغادرة بلادهم إلى دول أغنى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا!

فالاقتصاد التركي يدفع دائما فاتورة انحرافات وشطحات أردوغان، أزمة تِلو أزمة، فبعد احتجاز القس الأمريكي أندرو برونسون عام 2016 باتهامات وجهت له مثل الانخراط بأعمال تدعم فتح الله جولن، وتعثر الافراج عنه خاصة مع رفض واشنطن مبادلته بجولن!، تعقدت حسابات أردوغان في المواجهات العسكرية في سوريا، بل خابت أغلبها، مما دفع واشنطن لتوجيه صفعة لليرة التركية.

وعشية انهيار الليرة، تلقت أنقرة صفعة جديدة حيث أمر ترامب بمضاعفة الرسوم الجمركية المفروضة على واردات الصلب والألومنيوم المستوردين من تركيا، مما دفع الكثير من رجال الأعمال بألمانيا للتشكيك في التزامات تركيا الاقتصادية مع شركائها الدوليين، وهو ما يذكرنا بأزمة سابقة حدثت في أكتوبر 2017 عندما اعتقلت تركيا موظفا في القنصلية الأمريكية بأنقرة تلاه تعليق نظام التأشيرات بينهما وكان لذلك عواقب وخيمة إذ انخفضت قيمة الليرة، كما أشار أيضًا جان نوثر رئيس غرفة التجارة الخارجية الألمانية في إسطنبول خلال لقائه الصحفي مع قناة دويتش فيليه الألمانية لوجود "شقوق" في البنية الأساسية للتعاون بين الأتراك والألمان على حد تعبيره، وهي واقعة هامة تؤكد على نظرة الغرب لتركيا ككيان خارجي.

ليست كندا ولا نيوزيلاندا.. بل دولة أهدرت سنوات وأموالا طائلة كي تنال مقعدًا في الاتحاد الأوروبي وانتهت بكلمة واحدة من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في سبتمبر 2017 ردًا على منافسها مارتن شولز خلال ماراثون الانتخابات عندما قالتها صريحة "تركيا لا يجب أن تصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي".

هو تصريح يمثل مرآة لقرار قاس يقبع خلفه الكثير من العوامل التي قادت لتعقد ملف عضوية تركيا بالاتحاد، ورغم تعثره قبيل صعود الإسلاميين لقمة هرم السلطة بأنقرة إلا أن الملف وصل على أيديهم لنهاية النفق المظلم بلا نور!

يبرره البعض بالهوية الإسلامية والتاريخ الطويل المناوئ للغرب، إلا أن غطرسة أردوغان وحساباته المنحوسة للحرب في سوريا وأزمات الشرق الأوسط "زادت الطين بلة" وجعلت من الحلم وهمًا.

وبهذا.. يصبح الطريق مفتوحا أمام مرشحين أخرين مثل صربيا وأوكرانيا والبوسنة والهرسك، حيث تقدموا بطلب للانضمام منذ مطلع العقد الحالي في إطار خطة الاتحاد الأوروبي للتوسع شرقًا ولا يزال قيد الدراسة.

الأتراك أنفسهم يحلمون بالهجرة من تركيا، تجريف ممنهج لعلمانية الدولة يقمع الحريات وسياسات خارجية تخلق الأعداء وتهدم الصداقات والتحالفات المثمرة واقتصاد أسير سياسات أدمنت الأزمات يجعل منها بلدًا أقل جذبًا للمهاجرين!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط