الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

يسروا.. خلي المأذون يكتب


"خليها تعنس، خليك في حضن أمك، خليه ينقرض، خليه يخلل"، حملات كثيرة انتشرت، وتم إطلاقها مؤخرا في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعى تحث شبابنا وفتياتنا على العزوف عن الزواج، في واقع سلوكى ومجتمعى غريب وشاذ عن ديننا، ومجتمعنا، وبيئتنا، وأعرافنا، وتقاليدنا الموروثة منذ مئات السنين، المأخوذة عن نبينا صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضى الله عنهم وأرضاهم وسلفنا الصالح، وأجدادنا، وآبائنا وأمهاتنا.

حملات يأسوية، تيأس شبابنا من الزواج، وتعسر عليهم، وتزيد الأمر والوضع الراهن لشبابنا وفتياتنا سوءا على سوء، وسوادا على سواد، وللأسف مثل هذه الحملات الهدامة تراها تجد صدى واسعا وانتشارا سريعا رهيبا، يدلل على تفاهة عقلية، وفكر معوج معوق، وسلوكيات اجتماعية هدامة بالية وافدة علينا وعلى أخلاقنا، باتت مصدرا رئيسا في انتشار وزيادة نسبة العنوسة المتفشية بمجتمعاتنا العربية عامة، وليس المصرى فحسب.

يكفى أن نشير إلى أحدث دراسة للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، عن "العنوسة فى مصر"، نشرت في الخامس من يوليو العام الماضى، ذكر فيها أن كلمة "عنوسة" تطلق على الجنسين، وليس على الإناث فقط، وأن عدد الإناث اللاتى لم يتزوجن فى الفئة العمرية 35 عاما فأكثر بلغ 472 ألف أنثى بنسبة 3.3% من إجمالى عدد الإناث فى تلك الفئة العمرية، وذلك خلال عام 2017، مقابل 687 ألف حالة ذكور بنسبة 4.5% من إجمالى أعداد الذكور فى الفئة العمرية المشار إليها.

دراسة الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ذكرت أيضا أن ظاهرة العنوسة فى مصر، وصلت بين الذكور فى الحضر إلى 6.8% مقابل 2.4% بالريف خلال 2017، مرجعة ذلك للوضع الاقتصادى الذى يتضمن غلاء المسكن، سواء أكانت مستأجرة أم مملوكة، وتكاليف الزواج الباهظة من مهر، وتجهيز المنزل، وغيرها من الالتزامات التى تؤدى لعدم قدرة الرجل على القيام بكل هذه الأعباء، أما نسبة العنوسة للإناث فقدرتها الدراسة بـ4.2% فى الحضر، مقابل 2.6% بالريف، مرجعة ذلك لإرتفاع مستوى التعليم بالنسبة للإناث فى الحضر عنه فى الريف، حيث تؤجل الكثير من الإناث فكرة الزواج لحين الانتهاء من مرحلة الدراسة الجامعية، والبعض لحين انتهاء الدراسات العليا كالماجستير، والدكتوراه!.

الدراسة أشارت إلى أن ظاهرة العنوسة فى مصر التى انتشرت مؤخرا، أدت لزيادة بعض الظواهر غير المقبولة اجتماعيا ودينيا، مثل ظاهرة الزواج السرى والعرفى بين الشباب فى الجامعات، والإصابة بأمراض نفسية، والإقبال على إدمان المخدرات.

وحسنا فعلت دار الإفتاء المصرية برئاسة فضيلة الأستاذ الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، ووحدة الإرشاد الأسري بها برئاسة الدكتور عمرو الوردانى أمين الفتوى، حين أطلق المؤشر العالمي للفتوى التابع للدار استطلاعا للرأي حول هذه الحملات المغرضة السالفة الذكر، لتقديم حلول عملية للتيسير، صاحبه إطلاق وحدة الإرشاد الأسري عبر صفحة دار الإفتاء الرسمية لحملتها الطيبة، المعالجة لهذا الفكر المعوج الشاذ المتمثل في "خليها تعنس، خليك في حضن أمك، خليه ينقرض، خليه يخلل"، لحملتها على الهاشتاج "يسروا.. خلي المأذون يكتب"، داعية ومذكرة الى أن التيسير في تكاليف الزواج يجلب البركة، لقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مُؤْنَةً"، مشددة أنه يجب أن يكون تدخل أهل الزوجين إيجابيا، بالنصائح السديدة والآراء الموفقة التي تدفع سفينة الزواج إلى المضي قدما في بحار الحياة متلاطمة الأمواج.

كان مما جاء بنتائج استطلاع المؤشر العالمي للفتوى رصد خمسة آلاف فتوى خاصة بالزواج، مثَّلت هذه الفتاوى أربعين في المائة من إجمالي فتاوى المرأة المرصودة على مدار عام، كما أوضح المؤشر أن خمسة وتسعين في المائة من فتاوى المؤسسات الدينية الخاصة بالزواج رسخت لفكرة الزواج ودعمتها انطلاقا من مبادئ الشريعة الإسلامية، الداعية لإعمار الأرض وترابط القرابة والأرحام، وبقاء العنصر البشري والحفاظ على الأخلاق، وأن الحملات الداعية لمقاطعة الزواج والعزوف عنه تخالف مقاصد الشريعة الإسلامية وكلياتها.

كما بيَّن المؤشر أن فتاوى "المناداة بتيسير الزواج" جاءت بنسبة 25% من فتاوى المؤسسات الرسمية، ومن بينها وجوب مساعدة الأولاد في الزواج، وجواز مساعدة المتعثرين في الزواج حتى ولو من أموال الزكاة والصدقات، وكذا تقديم ذلك على حج النافلة، وأن فتاوى "عدم المغالاة في المهور" مثلت 15% من جملة فتاوى الزواج الصادرة من الهيئات الرسمية، تناولت خلالها أثر ذلك على المجتمع، وتقسيم المهر إلى مقدم ومؤخر واستدانة الزوج المهر من الزوجة، والفتاوى القائلة بأن المغالاة في المهر ليست من سنَّة الإسلام؛ لأن المهر الفادح عائق للزواج ومنافٍ للغرض الأصلي من الزواج، وهو عفة الفتى والفتاة والمحافظة على الطهر للفرد والمجتمع.

أما الفتاوى الرسمية الخاصة بالتيسير في النفقة على الزوج وقائمة المنقولات، فجاءت بنسبة 10% تناولت حكم مشاركة الزوجين في إعداد مسكن الزوجية من باب التيسير على الزوج وإعداد "قائمة" بذلك، وحث الزوجة – إذا كانت عاملة أو غنية – على أن تشارك زوجها من باب التعاون والمشاركة، ويكون ذلك في إطار من الود الباعث على البركة والسكينة والرحمة. 
 
ثم أوصت وحدة الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء بتذليل الصعوبات والعوائق أمام المقبلين على الزواج، داعية لتيسير المهور وتخفيف تكاليف الزواج، مناشدة مؤسسات المجتمع المدني بوضع حلول للتغلب على ظاهرة العنوسة، وتفعيل برامج كفالة الزواج، كما ناشد المؤشر المؤسسات الدينية بالتفاعل أكثر مع القضايا المعاصرة التى تثار بين الحين والآخر، لا سيما على شبكات التواصل الاجتماعى، وضرورة توعية عموم المسلمين عبر جميع المنابر ومن خلال وسائل الاعلام المسموعة والمرئيةوالمقروءة بمخاطر تلك الظواهر السلبية وانتشارها بالمجتمع.

هكذا كان رد الفعل المقدر المثمن لواحدة من أهم مؤسساتنا الدينية ببلادنا -دار الإفتاء المصرية- تجاه تلك الحملات المشئومة، التي أضحت سما ينفث في أوصال مجتمعنا، متوجها لعمود فسطاطه، متمثلا في الشباب والفتيات، ليقاطعوا سنة ربنا الحكيم التي أوجبها علينا، وليتحول مجتمعنا وبيئته السلوكية الأخلاقية الحميدة الى مستنقع من الرذائل والفساد الخٌلقى التي تشهدها مجتمعات الغرب بمادياتها الفانية، وبعدها عن روح ديننا، وكأن تلك الحملات المسعورة الموجهة لشبابنا تريد جرهم جرا الى الاندماج والانغماس بالكلية في تلك الاخلاق التغريبية الآسنة، ولم لا وشبابنا وفتياتنا قوة بلادنا الفاعلة والبانية لكل تقدم مرجو منشود.

من هنا أضم صوتى لحملة دار الإفتاء المصرية التي أطلقتها "يسروا.. خلي المأذون يكتب"، ولحملات بعض الدعاة والمواطنين،والتى منها: (يسروا - أيسرهن مهرا - خليها متيسرة - خليها تتجوز - أيسرهن مهورا أكثرهن بركة - خليها على السُّنَّة)‏، مناشدا الأسر المصرية جمعاء بالتيسير على شبابنا وفتياتنا، والرفق بهم، فلن تجدى نفعا المغالاة في الشبكة والإصرار عليها وغيرها، شرطا لإتمام الزواج، بل ستورث حسرة لن تنتهى للكثير من شبابنا وفتياتنا، وزيادة أعداد العنوسة، خاصة إذا كان ممن نرجو دينه وأخلاقه وصلاحه، فيسروا ولا تعسروا يرحمكم الله، وفرحوا بناتكم وأولادكم، ربنا يفرحكوا.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط