الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

دار الإفتاء المتنقلة


نشتهر نحن المصريين بأننا خبراء في كل المجالات, نعلم كل شيء عن أي شيء، ونقحم أنفسنا في أي موضوع ونبدي الرآي و لا يتطلب الأمر أكثر من إرتداء ثوب الخبرة عند الدخول في مناقشة لأي قضية مثارة ورفع نبرة الصوت قليلا مهما كان نوع القضية , سياسية كانت أو اقتصادية أو امنية أو دينية, بعضنا يفتي ويتمادي حتي يصل لوضع الخطوط العريضة لقضية مهمة, فالأزمة الاقتصادية و السكانية والبطالة والقضايا الدينية وحتي القضايا الكروية وغيرها من الملفات المهمة التي تتطلب خبراء حقيقيون يضعون لها آليات وأسس للنقاش, تجد البعض منا يرتدي عباءة الإفتاء و الخبرة و يتصدر المشهد بقصد الظهور, ورغبة في التحدث في أي شئ وعن آي شئ, وتقديم الحلول الوهمية التي يعج بها خيالهم المريض . فحادث القطار الذي راح ضحيته حوالي ٢٢ شهيد وأكثر من ٤٥ مصابًا والذي ظهرت من البداية خيوط تؤكد حدوثه عن طريق خطأ بشري يصل لمرتبة الجريمة في حق الغير من سائق جرار الإمداد، وأكدت على ذلك النيابة العامة وشهود العيان وكاميرات المراقبة أن الحادث وقع نتيجة أن سائق الجرار رقم ٢٣١٠ أثناء عودته لمكان التخزين تعرض لتصادم من جرار آخر برقم ٢٣٠٥ عند دورانه في اتجاه آخر عكس الاتجاه؛ ما أدى لوقوع مشاجرة بين السائقين نزل على إثرها سائق الجرار الأول دون أن يوقف حركة التشغيل للجرار، ما أدى لتحركه وحدوث الحادث.
 
كاميرات المراقبة كشفت وشهود العيان أكدوا على صحة ذلك، لكن جاء خبراء الهدم والإفتاء المتنقل ليكون لهم رأيًا مخالفًا للحقيقة، وتصدروا المشهد بتلميحات صورت أن ما حدث هو عمل إرهابي، وبدأ كلًا منهم يفتي بتبريرات ليصل لنهاية أنها مؤامرة حدثت لإحراق مصر، ليساهم بذلك في نشر فزاعة الخوف بين المواطنين، والتشكيك في بيانات الحكومة التي أعلنتها عقب التوصل المبدئي للمعلومات بعد التأكد من كيفية وقوع الحادث بطرق مختلفة.

وأبدى بعضهم تحليلات عن خط سير الجرار وأقحموا أنفسهم في تفاصيل وفنيات مضحكة؛ ليثبتوا أن الحادث إرهابي، فلو كان إرهابيًا لماذا قبلت الحكومة استقالة وزير النقل النشيط  الدكتور هشام عرفات؟ ولماذا تخفي مصر معلومة أن الحادث إرهابي ولصالح من ؟ فمصر تعلن عن أي حادث إرهابي مهما كان ولا تتردد في إعلان كل التفاصيل فحوادث إرهاب الأكمنة الأمنية تعلن وبشفافية، فهل تعلن الحكومة عن جرائم الاعتداء على رجال الأمن أنها حوادث إرهابية، وتخفي ذلك عن حادث قطار ؟ الكلمة أمانة والإشاعة هي بدايات صنع الإرهاب، ونشر الخوف والفوضي بين أبناء الوطن لزعزعة الثقة في النظام الحالي وإبداء عدم قدرته على مواجهة ما يحدث من جرائم، وإظهار عجز الدولة في التصدي والمواجهة وحماية المواطنين، فليتريث هؤلاء ويغلقون ديار الإفتاء التي افتتحوها في كل مكان وكل مناسبة بدون علم ورغبة في قول أي شيء عن أي شيء، تشكيك وتحليلات وهمية كثيرة تؤدي في النهاية لزعزعة الثقة في ما توصلت إليه النيابة, وهو ما يؤثر بالطبع على الاستقرار الذي تعيشه مصر الآن, وليثق هؤلاء أن القيادة المصرية لا تتوانى عن التواجد في قلب الحدث, والمبادرة بتقديم الإمكانات السريعة, فالرئيس عبد الفتاح السيسي بمجرد وقوع الحادث كانت متابعته وتكليفاته للحكومة برئاسة الدكتور مصطفي مدبولي بالتواجد في مكان الحادث, وتقديم كل الإمكانيات والرعاية للضحايا, وذهب رئيس الوزراء ومعه عدد من الوزراء المعنيين لمتابعة الحادث عن قرب في محطة مصر مكان وقوع الحادث, وهناك كان وزير النقل النشيط هشام عرفات الذي كنت أتمني ألا يقبل مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء استقالته, التي قدمها لشعوره بالمسئولية السياسية عما حدث. 

فأي ذنب ارتكبه الوزير النشيط لكي يقدم استقالته!! وكنت أتمنى ألا يقبلها رئيس الوزراء لكنها العادة, فالوزير هو كبش الفداء لأي حادث قطار, وزارة النقل هي مقبرة الوزراء, ويعتبر د. هشام عرفات سابع وزير يقدم استقالته بسبب حوادث القطارات, فما ذنب الوزير في حدوث خطأ بشري, الوزير المستقيل د. هشام عرفات كان يحلم بتطوير منظومة السكك الحديدية لتضاهي الدول المتقدمة, وبرغم أن مصر هي ثانى دولة في العالم تعرف السكك الحديدية بعد بريطانيا سنة ١٨٥٤م إلا أن الهيئة تعتبر أكثر تخلفًا عن الدول الأخرى التي عرفت القطار بعدنا بعشرات السنين, ومهما تغير الوزراء ستظل حوادث القطارات, ولا توجد بلد في العالم تخلو منها, وبالأمس تصادم قطارين في أمريكا, وحدثت مأساة هناك ولم نسمع عن استقالة وزير النقل, لسبب بسيط أننا هنا في مصر نتمتع بكون كلًا منا يحمل داخله دوائر صنع القرار في غلاف دار إفتاء متنقلة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط