الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قطارات الموت.. وحصاد الأرواح


تابع العالم أجمع -وليس مصر فحسب-، حادث قطار رصيف محطة مصر البشع الذى حصد الكثير، حرقا وفتكا بالأجساد والأرواح، وألم بنا حرقا لقلوبنا على هؤلاء الضحايا الشهداء الأبرياء الذين لا ذنب لهم ولا جريرة إلا قضاء الله وقدره بوجودهم في مكان الحادث الأليم،والثاني الذى جاء نتيجة اصطدام عربة نقل بقطار بمدينة مرسى مطروح.

ما حدث ببلادنا من حوادث بشعة للقطارات، قناعتى اليقينية أنه لن يكون الأخير –وآمل أن تكون قناعتى تلك ظنية- طالما ظل تعاملنا في كل كارثة على هذا الفكر المنقوص، المتمثل في صرف تعويضات لأسر الضحايا والجرحى، وشجب وتنديد بالحادث والمسئول عنه، دون إيجاد حلول جذرية لتهالك هذا المرفق الحيوى المهم، بتطويره وتحديث عربات قطاراته المختلفة، وطرق السكك الحديدية المختلفة في كل بقاع مصرنا الحبيبة.

نعم تم استقالة وزير النقل -أو إقالته- لكن ذلك لا يكفى، لكن ما يكفينا نحن جموع المواطنين -كما قلت- إصلاح تلك الهيئة إصلاحا جذريا وهيكلتها وإدارتها إدارة علمية صحيحة حديثة، تجنبنا وقوع مثل هذه الكوارث والمصائب التي ألمت بنا وبمصر كلها.

في إحصائية أعدتها هيئة السكة الحديد بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2017، ذكرت أن عدد حوادث القطارات بلغ 12,236 حادث بين عامي 2006 و2016، وجاء فيها أنه في فبراير 1992 اصطدم قطاران عند مدينة البدرشين بمحافظة الجيزة، أدى إلى مقتل 43 شخصا، وفى ديسمبر 1995 وعند البدرشين ايضا، اصطدم قطار على سرعة عالية بمؤخرة قطار ثابت، ما أسفر عن مقتل 75 شخصا وإصابة 76 آخرين.

وفى أكتوبر 1998 وقع حادث في مدينة كفر الدوار بمحافظة البحيرة، إذ اصطدم قطار بالحاجز الإسمنتي في نهاية مسار القطار، وخرج القطار عن القضبان، أدى إلى مقتل 50 شخصا وإصابة 80، وفى فبراير 2002 كانت أكثر حوادث النقل دموية المعروفة إعلاميا بقطار الصعيد، وكانت النيران قد اندلعت في إحدى عربات القطار بعد مغادرته مدينة العياط بمحافظة الجيزة، واستمر القطار في السير مشتعلا لمسافة 9 كيلومترات، فامتدت النيران إلى باقي العربات، وأدى الحادث إلى مقتل أكثر من 360 شخصا، وانتهى الأمر باستقالة وزير النقل آنذاك، إبراهيم الدميري، ورئيس هيئة السكك الحديدية، وفى أغسطس 2006 اصطدم قطاران قادمان من الدلتا إلى القاهرة في قليوب ليسفر عن وقوع أكثر من 50 قتيلا، وفي فبراير من العام نفسه، اصطدم قطاران قرب الإسكندرية، مما أسفر عن إصابة نحو 20 شخصا، وفي مايو، اصطدم قطار شحن بضائع بقطار للركاب، مخلفا 45 حالة إصابة.

وفى يوليو 2007 اصطدم قطاران في قليوبأدى إلى مقتل 58 شخصا وإصابة 140، وفى أكتوبر 2009 وقع حادث مروع آخر شهدته العياط بعد اصطدام قطارين، أدى إلى مصرع 18 شخصا وإصابة 50، وفى نوفمبر 2012 اصطدمت حافلة مدرسية بقطار ركاب في محافظة أسيوط، وأدى الحادث إلى مصرع 44 تلميذا في مراحل رياض الأطفال والابتدائية، ومصرع السائق واثنتين من المشرفات، ووقوع 13 مصابا، وتقدم وزير النقل ورئيس هيئة السكك الحديدية باستقالتهما آنذاك، وفى 2013 وقع حادثان في البدرشين. ففي يناير، خرجت العربة الأخيرة من قطار يُقل مجندين من قوات الأمن المركزي عن القضبان، ما أدى إلى وفاة 17 مجندا وإصابة أكثر من مئة، ثم في نوفمبر، اصطدم قطار بسيارة واتوبيس مخلفا 27 قتيلا و34 مصابا، وفى مارس 2015 اصطدمت اتوبيس مدرسي بقطار بضائع بمحافظة الغربية، وتسبب الحادث في مقتل سبعة أطفال، وإصابة 25 آخرين، وفى فبراير 2016 انقلبت عربتا قطار ركاب، كان قادما من أسوان جنوبي البلاد إلى القاهرة، بعد خروجهما عن القضبان.

وأدى الحادث إلى إصابة 72 شخصا، وفى أغسطس 2017 اصطدم قطاران للركاب في الإسكندرية، مسفرا عن مصرع 41 راكبا، وإصابة أكثر من 120، وفى فبراير 2018 اصطدم قطاران في البحيرة، في شمال مصر، وأدى الحادث إلى مصرع 12 راكبا، وهكذا مازال مسلسل حوادث القطارات عرضا مستمرا!

الدكتورة منى صبحي نورالدين أستاذ مساعد الجغرافيا الاقتصادية والنقل بجامعة الأزهر عضو مجلس إدارة الجمعية العلمية العربية للنقل، من الخبراء العالميين، المعهود والمشهود لهم محليا ودوليا بالخبرة والكفاءة في مجال النقل، كتبت مقالا عقب حادث قطار رصيف محطة مصر، جاء تحت عنوان "حوادث السكك الحديد.. قطارات الموت تصعد على الأرصفة وحصاد الأرواح"، استهلته بأننا هل مازلنا نفتخر بـ"سحم"، معرفة تصنيف حوادث السكك الحديدية إلى حوادث الاصطدام وحوادث العبور وحوادث نتيجة العيوب الفنية للقطارات والجرارات وحوادث الانحدار، وأن معظم حوادث السكة الحديد فى مصر تصنف حوادث تصل إلى الخطر الجسيم، الذى يؤدى إلى وفاة شخص على الأقل فما بالنا بالحوادث التى يروح ضحيتها عشرات ومئات الأشخاص.

وتتساءل الدكتورة منى صبحي نورالدين -كما نتساءل جميعنا- هل وزير النقل هو المسؤول فقط عن أى حادث بالسكة الحديد أو غيرها من وسائل النقل؟، مجيبة على سؤالها بأن المفترض أنها مؤسسة كبيرة لها هيكل وظيفى وادارى ويعمل على رأسها رئيس الهيئة القومية لسكك حديد مصر، أحد مؤسسات وزارة النقل العريقة، وأقدم من وزارة النقل ذاتها ويرجع تاريخها إلى أكثر من 150 عاما، حيث تم مد أول خط سكة حديد عام 1851 من القاهرة للإسكندرية، وتم افتتاحه فى 1853، وبعده تم مد خط القاهرة السويس عام 1858 وبعدها توالت خطوط شبكة السكك الحديدية فى مصر، بينما يرجع تاريخ وزارة النقل إلى ستينيات القرن الماضى.

لكن يبقى تساؤل آخر لها مفاده أنه هل بعد إستكمال شبكة السكك الحديدية فى مصر من الشمال والجنوب بشكلها الشبكىفى الدلتا، وشكلها الطولى فى الوادى، وبعد مرور قرن ونصف من الزمان ومع الكثير من الحوادث التى يتعرض لها المواطنون فى كثير من المواقع الجغرافية المختلفة وتكرار هذه الحوادث بأخطائها المتشابهة وعدم وجود خطوط جديدة، واكتفاءنا بشبكة لا تتعدى تسعة آلاف كيلو متر، ومشكلات كثيرة بسبب المزلقانات وحوادث العبور وحوادث الاصطدام..الخ، هل من المعقول حادث بهذا الشكل الأليم؟ ولماذا الإصرار على تبعية الهيئة القومية لسكك حديد مصر لوزارة النقل التى ضاقت ذرعا بالهيئات التابعة لها؟

مطالبة وفى الوقت ذاته مشددة بوجوب دراسة الفصل الفورى لهيئة السكك الحديدية عن وزارة النقل، وتنمية الهيئة بمواردها المادية والبشرية، وتقديم الدعم الفني والمادى، وتحديث البنية الأساسية، وادراج بعض مشروعات الخصخصة أو التشغيل عبر شركات أجنبية لبعض الخطوط بنظام bot، واعتبارها ضمن المشروعات القومية لمصر، وتنمية نقل البضائع والحاويات عبر السكك الحديدية والتى لا تتعدى 2%، بينما النسبة الأكبر وهى 98% للركاب نسبة تحتاج إلى اهتمام كبير من الدولة وتصنيفها ضمن الأولويات فى المشروعات القومية وليكن الشعار حاليا "البشر قبل الحجر".

وفى حزن بالغ الأسى والحسرة تؤكد أنها كم كتبت مقالات كثيرة ودراسات شتى حول هذا الموضوع ولا حياة لمن تنادى، وكانت البداية فى ندوتين عن حوادث السكك الحديدية فى عام 2013، بالمشاركة مع الهيئة والجمعية العلمية العربية للنقل، وبالمشاركة مع أسرة الرواد الجغرافية بكلية الدراسات الإنسانية قسم الجغرافيا، ثم قيامها بإجراء بحث عن حوادث السكك الحديدية فى 2014، وكتابة مقالات فى فيس بوك منذ 2013، وكتابات فى بعض الصحف فى 2014 و2017، و"الثالثة تابتة" فى 2018 -على حد قولها-، ولم تكن الأخيرة فما أشبه الليلة بالبارحة، مشددة أننا ما زلنا نحقق أعلى المستويات فى سوء الإدارة والسلوكيات وانخفاض التطوير البشرى والتدريب للعاملين، وكذلك التطوير الفنى لخطوط السكك والقطارات والمزلقانات، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما زالت الأرواح تتصاعد إلى بارئها.

وبعد.. هذه شهادة واحدة من عالمة مصرية خبيرة عالمية متخصصة في مجال النقل، لها من الدراسات والأبحاث والمقالات التي بها بح صوتها، طلبا لتطوير هذا المرفق الحيوى الرئيس المهم، وقس على ذلك بقية دراسات خيرة علمائنا الآخرين في التخصص ذاته، المطالبة بالتحديث وإعادة الهيكلة جذريا، على أساس قائم على العلم الحديث والتكنولوجيا العلمية الهائلة، لكن يبدو أن شعار "لا حياة لمن تنادى"، هزم وأمات جسد شعار "البشر قبل الحجر" حرقا وفتكا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط