الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كفى قولا: اعتزل ما يؤذيك


اعتزل ما يؤذيك.. إحدى العبارات المُستَهلكة التي غدتْ ردًا مقتضبًا من جانب البعض، على كل من يبثُ له الشكوى من حياته أو عمله أو موطنه، يقول له ببساطة: اعتزل ما يؤذيك، رُبما دون أن يهتم أصلًا بالاستماع لما يقُصُه عليه، أو يُكلف نفسه عناءَ التدبُر فيما يمكن للشاكي فعله، ولعلي أراها تُشبه إلى حد كبير ردُ من يده "في الماء الباردة"، على حد وصف المثل الشعبي الدارج.

ربما لا يدرك من يتفوه بهذه النصيحة، اعتزل ما يؤذيك، تبعات أن يقتدي الشاكي بها، فيكونُ هذا الاعتزال سببًا في قرارات حادة غير مسئولة ذاتُ آثارٍ سلبية على صاحبها، بل وربما على الأسرة والمجتمع، كالانفصالِ عن شريك حياة، أو تقديم الاستقالة وترك العمل، أو الهجرة من مسكنٍ وربما من مدينة لأخرى، فعبارة: اعتزل ما يؤذيك، التي لا يستغرق نطقها "فيمتو ثانية" على مقياس عالمنا الراحل أحمد زويل، قد تشكل ذريعةً لهدم حياةٍ بأكملها، وإنهاء عُمرٍ بأسره.

لا يستوعب الكثيرون المسئولية التي تترتب عليهم جراء طلب أحدٍ منهم نصيحة ما، لاسيما إذا كان من يطلب النصيحة يقفُ بحيرةٍ أمام مفترق طرق، ينتظر منك أن ترشده أي طريقٍ يسلك، فحينها لا يمكن اعتبار النصيحة مُجرد حديثٍ مرسل، أو ثرثرةٍ فارغة، حينها تكون مُلزمًا أن تستمع إليه باهتمام، وتضع نفسك في موضعه، لتقدمُ له النصيحة الملائمة، فإنك تغدو حينها شريكًا في القرار الذي يمكن للشاكي أن يتخذه عقب البوح لك بما يؤرقه ويتعبه.

ليس كلُ ما يؤذيك يمكن اعتزاله، فقد يصير القرار هينًا حين يكون مُجرد شخص على هامش حياتك، أو وظيفة لا تُشكل رقمًا فارقًا فيها، أو موطنٍ اعتدت قضاء عطلتك به فحسب، إلا أن الأمر يستحق الكثير من التفكير، وقدرًا أكبر من التدبُر في تقديم النصح، حين يتعلق الاعتزال بشريك حياةٍ تقاسمتُما سويًا الخبز والملح والذكريات، أو عملٍ استهلك الكثير من عمرك وشبابك، فلا يمكن تركه استجابة لبعض الضغوط، أو مسكنًا ووطنًا تمتد جذورك في أرضه وبين ثنايا جدرانه.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط