قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

بلد الدكاترة والمهندسين!


يُحكى أنه، في يوم من الأيام، نزل جحا وحماره مدينة الكوفة وعندما بلغ الخبر والي المدينة بادر بدعوة جحا إلى مجلسه، فأحضر جحا معه حماره للمجلس، فغضب الوالي العباسي جدًا ورد عليه جحا أنه جاء له على حماره فلا يقلل من شأنه، وأكد للوالي أنه يستطيع تعليم حماره القراءة والكتابة خلال عشر سنوات، ولما شعر الوالي بسخرية جحا تحداه بل وأعطاه مبلغا ماليا ضخما لاختبار صدق جحا، ولما خرج جحا تعجب أحد حراس الوالي من كلامه وحذره من عقاب الوالي إذا فشل، إلا أن جحا رد عليه قائلًا: خلال العشر سنوات قد يموت الوالي أو يموت حماري أو يموت جحا نفسه!!

ولغرض الفكاهة فقط أردت سرد قصة جحا والوالي علمًا بأن شخصية جحا نفسه ليست حقيقية ولم توجد يومًا لأنها من وحي التراث الشعبي، فدائمًا يبدأ العام الدراسي بمصر مع مواقف عديدة تداولتها الصحف المصرية لتطرح تساؤلا حول مدى فاعلية منظومة التعليم. وبعيدًا عن تعليقات وسائل التواصل الاجتماعي على موقف "الطفل الباكي" المشهور بجملة "يا حاجة.. أنام ربع ساعة بس" وطفل آخر توفى بالدقهلية خلال التدافع بالعام الماضي، إلا أنه بالفعل منظومة التعليم في أمس الحاجة لحل مشكلة ازدحام الفصول، ومعالجة مثل تلك القصور، وكذا تطوير المناهج وطرق التدريس لمواكبة نظرائها بالخارج.

زيارة جيس داتون السفير الكندي لمجموعة من المدارس الابتدائية والاعدادية أكتوبر الماضي والتي تنال حصة كبيرة من دعم وتمويل الحكومة الكندية تفتح باب الجدل حول تطلعات الحكومة في ربط التعليم بنظرائه في الخارج، ولا تقف كندا وحدها وإنما تنال اليابان قسطًا، فالمدارس اليابانية المصرية زاد عددها نحو 40 مدرسة في 22 محافظة منشأة وتدار على الطراز الياباني.

وبعد كندا واليابان، تحفل مصر بالعديد من المدارس الأمريكية والبريطانية والألمانية والفرنسية ووسط هذا الزحام،تبدأ رحلة أكثر أهمية، وهي التعليم العالي، فالدراسة بالجامعة الروسية ليست بالروسية والدراسة بالجامعة الألمانية ليست بالألمانية! وإن حدثت التوأمة بين نظام التعليم بتلك البلدان وذويها في القاهرة، فلماذا لا تحدث ذات التوأمة مع الجامعات الوطنية المتعطشة للتطوير والتحديث!

وتظل معضلة ربط مخرجات التعليم بسوق العمل هي الأهم والأعقد على الاطلاق، فأغلب خريجي الجامعات الأجنبية يتشاركون ذويهم بالجامعات الوطنية في صعوبة العثور على عمل يطابق خلفيتهم الأكاديمية فور التخرج.

الطب والهندسة يسيطران على عقول أغلب المصريين، ولسبب تراكم مجتمعي وإرثي على مدى عقود طويلة، فـ "البرستيج" للدكتور والمهندس فقط!

رغم أن وزير التعليم العالي والبحث العلمي نفسه قال "أرجوكم متفكروش في الطب والهندسة مش هتبقى دي كليات القمة" خلال مشاركته في فعاليات الدورة الثانية لمؤتمر "التعليم في مصر" تحت عنوان "تطوير التعليم والتحديات وآفاق النجاح" المنعقد يوم 4 مارس 2019 بحضور رئيس الوزراء وعدد من الوزراء، حيث أشار وزير التعليم العالي أن المستقبل سيكون للتخصصات المرتبطة أكثر بالإنترنت.

والجدير بالذكر أنه مع تزايد خريجي "كليات القمة".. حدث خلل واضح وبديهي في بنية المجتمع واتضح في اضطرار عدد كبير من خريجي الطب والصيدلة والهندسة لتغيير المجال بعد التخرج نظرًا لتشبع السوق بهم. وإن كانت ريادة الأعمال والعمل الحر هم الأكثر استقبالًا، فعدد ليس بقليل منهم نال شهرة مثل "أحمد جمال" نجم أراب أيدول بعد تخرجه من كلية الصيدلة بل يشغل خريجي كليات "غير قمة" مناصب قيادية في بنوك وشركات عالمية في وقت بادر فيه نحو 30 شابا خريج طب وهندسة واعلام وعلوم سياسية بتدشين محل "كبدة" في محافظة البحيرة بالعام الماضي بحثا عن عمل أو زيادة دخل بعضهم!، أما في بني سويف.. افتتحت ثلاثة فتيات خريجي طب بيطري محل جزارة لأن "الحال واقف"!

والجدير بالذكر أن وزير الصحة السابق قد "لمح" مسبقًا لإلغاء تكليف خريجي الصيدلة مشيرًا لتضخم عددهم بالدولة وما تتكبده ميزانيتها من مرتبات أكثر من 4 مليارات جنيه سنويًا لـ213 ألف صيدلي، وهو عدد كاف لخدمة مليار و50 مليون مواطن وفق تصريح نقيب الصيادلة العام الماضي ورفض بعضهم التوزيع بأماكن نائيه وشغل البعض أماكن بالحكومة والعمل لدى الصيدليات والشركات الخاصة!

يتطلع أغلبية المصريين لمنظومة تعليم تحمل البصمة المصرية وتستفيد بأفضل مزايا التعليم الأجنبي، وعلى الدولة بذل جهد أكبر لتغيير تقييم المجتمع والتي تقسم الكليات بين قمة وغير قمة، فالاقتصاد يحتاج للسباك والمحامي والخباز والفلاح كما يحتاج بالضبط للأطباء والمهندسين.

ويبقي النجاح في سوق العمل المعيار الأوقع والأهم على الاطلاق، وكَم أضاف وخدم كل مِنا وطنه في نهضته الاقتصادية إذا أردنا أن نبني وطنًا يناطح الكبار!