الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شعيب عبد الفتاح يكتب: الإمام ورش هدية مصر للعالم الإسلامي

شعيب عبد الفتاح يكتب:
شعيب عبد الفتاح يكتب: الإمام ورش هدية مصر للعالم الإسلامي

الإمام الجليل ورش ؛ من نوابغ مصر العظام الذين قيضهم الله لخدمة وحفظ وقراءة القرآن الكريم ، هو العلامة السند العبقري الفذ الثقة الحجة أحد رواة القُرَّاء السبعة، شيخ القُرَّاء المُحَقِّقِين، إمام أهل الأداء المرتِّلِين، رئيس الإقراء بالدِّيار المصرية ، اسمه الحقيقي عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو، وقيل: عثمان بن سعيد بن عدي بن غزوان، أبو سعيد، أو أبو عمرو، أو أبو القاسم، القبطي المصري، ولد عام 110 هجرية في إحدى حارات قفط جنوب محافظة قنا بصعيد مصر ، وعاش فيها فقيرًا، يبيع رؤوس الماشية، وحين تعلم قراءات القرآن شد رحاله الى الفسطاط التى عاش بها وعلم تلاميذه في مسجد عمرو بن العاص القراءة القرآنية التى ابتكرها.

للإمام ورش عدة ألقاب منها ( ورش القفطي ) نسبة الى مدينة قفط ، ومنها ( محمد العوامي ) نسبة الى جده مولى الزبير بن العوام الذي كان صاحب عائلة كبيرة في قفط ، ومنها ( الرواس ) نسبة لتجارته في رؤوس الماشية ، أما لقبه الأشهر والمعروف فهو ( ورش ) لكونه أشقر الشعر وأبيض البشرة وأزرق العينين، قصير هو إلى السمن أقرب منه إلى النحافة، وكان على قصره يلبس ثيابًا قصارًا وكان إذا مشى بدت رجلاه، وقيل أن أستاذه الإمام نافع هو من لقبه بورشان لجمال صوته، فقد شبهه بصوت طائر "الورشان " المعروف ، فكان يقول له : "هات يا ورشان! واقرأ يا ورشان! وأين الورشان؟"، ثم خفف الاسم فقيل: ورش، والورشان: هو طائر معروف وقيل: إن الورش شيء يصنع من اللبن لقب به لبياضه، ولزمه ذلك حتى صار لا يعرف إلا به ، وكان هذا اللقب أحب الألقاب إليه فيقول دائما : "أستـاذي سماني به".

وكان جيد القراءة حسن الصوت، إذا قرأ يهمز ويمد ويشدد ويبين الإعراب لا يمله سامعه ، وكان إذا قرأ القرآن خرج من فمه رائحة المسك ، فيسألونه ، هل تتعطر قبل القراءة ، فيقول واّلله لا أمسُ الطيب أبدا ، لكن رأيت رسول الله في المنام وقرأ القرآن في فمي ، فمنذ ذلك والمسك يخرج من فمي.

ارتحل الإمام ورش الى المدينة المنورة ليتلقى قراءة القرآن الكريم عن شيخه الإمام نافع بن عبد الرحمن أبي نعيم تلميذ الإمام مالك وختم عليه القرآن الكريم عدة مرات عام 155 هجريًا، وعاد إلى مصر، و انتهت إليه رئاسة الإقراء بالديار المصرية في زمانه. وروى يونسُ بن عبد الأعلى عن شيخه ورش أنه قال: كانوا يهبون لي أسباقهم، حتى كنتُ أقرأ عليه كلَّ يوم سبعًا، وختمت في سبعة أيام، فلم أزل كذلك حتى ختمت عليه أربع ختمات في شهر وخرجت ، وهذه الرواية تدلُّ على أن ورشًا مكث عند نافع مدة شهر، أخذ فيه القراءة.

وقد استمرت قراءة ورش هي السائدة في مصر ، ولها الشيوع والانتشار حتي دخول العثمانيين إليها ، الذين عمموا بها قراءة حفص عن عاصم لسهولتها من جهة ولصعوبة قراءة ورش ، وأصبحت قراءة ورش هى المدرسة المنتشرة، فى قراءة القرآن الكريم، ببلاد الأندلس ، وشمال إفريقيا كالجزائر، وليبيا وموريتانيا، والمغرب العربى، والخليج العربى، وهي أكثر القراءات شيوعا في العالم الإسلامي بعد رواية حفص ، ومن خصائصها : تخفيف همزة القطع، وإمالة الألف إلى الياء في أواخر بعض الكلمات ، وصارت رواية ورش عن نافع تبعا للمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، والتصوف السنّي الصحيح ، رمزا لوحدة المغرب المذهبية، وثوابت الأمة المغربية. وكان لشيوع المذهب المالكي في شمال إفريقيا له الأثر الكبير في شيوع قراءة ورش هناك، حيث تعلم الإمام ورش علي الإمام نافع، تلميذ الإمام مالك- رضي الله عنه- وأرضاه

وحكي عنه ان لصا جاء إلى بابه فوجده حصينا ، فقال : يحتمل أن يكون فى داخل هذا الباب مال كثير ، فحاول فتح الباب فلم يستطع ، فاستعان بنجار ودفع له درهما ، ففتح له الباب ، ودخل الدار ليأخذ ما فيها ، فوجد فيها إبريقا مكسورا ، وجرة ماء مكسورة ، فقال فى نفسه جئت أسرق فسرقوني فبينما هو كذلك إذ جاء ورش فرآه جالسا فى الدار ، فقال له : من أدخلك هنا ؟ فقال : أنت نصبت على الناس ببابك الوثيق ، دخلت لآخذ شيئا واستعنت على فتح الباب بدرهم كان معي ، فلما دخلت لم أجد قليلا ولا كثيرا ! وأنا في حاجة الى المال لقرب زوجتي من الولادة ، فقال له هل لك فى مصاحبتي ؟ قال نعم ، ثم جلس معه فجاء تلامذة الشيخ ، فقص عليهم قصته ، فدفعوا له شيئا كثيرا ، ثم قال له ورش للرجل : اجلس وأستغفر الله بصدق وسوف ترى أثر ذلك ، وإذا بغلام الخليفة يطرق الباب ومعه صرة مال كبيرة ويقول للإمام ورش أن الخليفة يقول لك ادفع بهذا المال إلى مستحقه ، فأعطى الصرة للرجل ، وفجأة هطل المطر ، فقال له : أبشر ، فإن زوجتك تضع ذكرا ، فذهب الرجل إلى منزله ، فوجد زوجته قد وضعت ذكرا ، فاشترى لها ما يقوم بحالها ، ثم عاد الشيخ وقال : سيدي ، ما تعجبت من المالية كيف حصلت ، إنما تعجبت من قولك : زوجتك تضع ذكرا ، وقد وضعت ! فقال : يا بني ، أخذت ذلك من كتاب الله تعالى ، قال الله تعالى ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ) فلما أن حصل الاستغفار والمالية والمطر استدللت بهذه على الولد ، ثم تاب الرجل ولزم خدمة الشيخ إلى أن مات ودفن تحت رجليه.

توفي الإمام "ورش" رحمه الله في مصر سنة 197 هجريًا، عن عمر 87 عاما ودفن في مقبرة بقرافة الإمام الشافعي بسفح المقطم ، وتحت قدميه دفن اللص التائب ، وهذه المقبرة داخل حوش عبد الفتاح بك محرم أحد قضاة المحاكم الأهلية وهو يقع على شارعي الفارسى وابن حبيش تجاه شارع ابن الجباس.