قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

تسـمم وطـن


"الحلم زي الدم..له بصمة وفصيلة..نقلوا لي حلم غريب جاني تسمم حلم".. تلك الكلمات التي صاغها الشاعر والصحفي محمد رفعت في إحدى قصائده قبل سنوات طويلة، ظلت تتردد في رأسي طوال الأيام والشهور الماضية، حيث يبدو التشخيص الدقيق لحالة مصر الآن، أنها تعاني من تسمم حلم.
فمصر الآن كالجسد الذي يُزرع فيه عضوٌ فاسدٌ أو ملوث، أو من جنس غريب لا يتوافق مع خلاياه.. لذلك فهي تنتفض رفضا لتلك الحالة السقيمة التي اُبتُلِيَت بها في الشهور الأخيرة، فأصابتها بالاحتقان والحمى، بينما عجز الفائزون بالسلطة -عن غير جدارة- عن وصف الدواء المناسب لها، فنفرت تنزف في كل مكان، محاوِلةً لفظ هذا العضو الملوث لتسترد عافيتها، وتعود كما كانت دوما صبية وبهية.
حالة تسمم حاد تضرب أوصال مصر المحروسة، منذ رجّت ثورتها مياهها الآسنة، فانتشرت فيها أوساخها، وطفت على سطح الحياة السياسية والاجتماعية طحالب وكائنات ما كان لها أن تحيا في النور، وهي التي اعتادت الظلام فكرا وعقلا ومنهجا، بل وبنية نفسية ووجدانية.
شهور سود مضت، وأيام أسود مازلنا نعيشها في وطن نحيا فشله يوما بعد يوم، بينما كنا نحلم بأن نشهد نجاحه ولو جزئيا، بعد ثورة أهدرت فيها كل الدماء، وضاع الحق بين فساد سابق وتواطؤ تالي، ليأتي نظام لا يختلف عن سابقيه وإن اختلفت شعاراته الكاذبة، فهو أيضا يحترف الفشل والقتل وإشاعة الكراهية.
جنازة كبيرة هي مصر الآن، وشعب صامد كما كان دوما، وتاريخ يتوالى ولكن لا يتغير، فالفاشلون والمتآمرون والسوداويون والظلاميون والأفاقون والكذابون مروا كثيرا على حكم هذا الوطن، ولكنهم انسحقوا تحت نعال شعبه، ليذهبوا إلى مزابل التاريخ، ويبقى الشعب متمترسا خلف ذاكرته وتاريخه، الذي علمه ألا يركع لمستعمر، ولو تبدلت أقنعته وهوياته ومسمياته.. ولا يخدعه محتال، ولو تمسّح في الدين.. ولا يساوم على دمائه، ولو بذل في سبيلها مزيدا من الدماء.. ولا يبيع أبناءه، ولو قايضوه عليهم بالذهب.. ولا يهادن أعداءه، ولو قاومهم عاريا.. فلا عزاء قبل القصاص، ولا تصالح مع القتلة.. فهكذا علمنا تاريخ مصر العتيق، ويعلمنا الآن شباب الثورة.
جنازة كبرى –إذًا- هي مصر الآن، وغدٌ مظلمٌ لا بارقة أمل فيه، والقاتل مختبئ في قصره ظنا أن القصاص لن يدركه، وأن من أمهله سيفلته.. أما أولياء الدم فقد جعل الله لهم من فوق عرشه سلطانا، فالدم بالدم، وهم بإذن الله منصورون.