الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رمضانُ الذي لم تتغير روحه


منذ سنوات، والنغمة السائدة كل رمضان ، أن الشهر الكريم لم يعد يأتي بالطقوس التي اعتدناها، وان الكثيرين باتوا لا يشعرون بذات الشعور الذي كان يجتاحنا ونحن نستقبل هذه الأيام صغارًا وفتيانًا، فينتابنا الفرح ونحن نعلق الزينة والفانوس، ونجري ونتنطط في الحارة قبل المغرب وبعد الفطار حتى الفجر، ولمة العيلة على الفطار وعزايم كل يوم في بيت، حياة كانت كلها حُب ورضا.

هذا الشعور بات يلعب عليه صانعي المحتوى الإعلاني الذين يعزفون طيلة الشهر في تكرار ممل، على أوتار الحنين لذكريات زمان، وخاصة روح الصحاب، واللمة، والضحكة الصافية، والإيد اللي بتساعد، ونحن نشاهد هذه الإعلانات، ونستمع إلى تلك الأغنيات، ونغرق أكثر وأكثر في نوستالجيا الماضي والذكريات، ثم نلقي بالتهم في وجه هذا الضيف السنوي العزيز ونقول: رمضان بدون طعم.. ملوش روح.. مبقاش زي الأول.. ونحن في الواقع بهذا نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيبٌ سوانا، على حد قول إمامنا الشافعي أعزه الله.

إن نطق رمضان سيدفع عن نفسه هذه التهم، ويقول لنا بالفم المليان: العيب فيكم، يا في حبايبكم، كما شدت كوكب الشرق في رائعة مرسي جميل عزيز "سيرة الحب"، فشهرُ رمضان لم يتغير طعمه، مازال يأتي بذات وجهه الرائع وريحه الطيبة، ولكننا من افقدنا طقوسه معناها، ففقدنا بالتالي القدرة على الاستمتاع به، بل لم نحرص نحن الآباء على نقل تلك الطقوس والروح التي تربينا عليها إلى الأجيال اليافعة، فتحول الشهر بالنسبة لها الى عبء الجوع والعطش طيلة النهار، ثم السهر مع الأصدقاء حتى الفجر، في غياب تام لمعنى العيلة واللمة، وهو الأمر الذي تسببنا فيه نحن، ورأيت بنفسي وأنا أصلي التراويح أول يوم رمضان عددًا غير قليل ممن يُسمون "الاندر ايدج" في الشوارع بعد أن تناولوا الفطار خارج المنزل في اليوم الأول، الذي كنا دومًا محكومين بميراث اصيل بأنه يوم ملك للبيت والعائلة.

لنعترف بحقيقة أننا من ساهمنا بأيدينا في تفتيت اللمة المعتادة في رمضان، ليُغلق كل واحد بيته على نفسه، حتى ظاهرة أطباق أصناف الطعام المتبادلة بين الجيران اختفت، كما أننا من توقفنا عن اتاحة الفرصة لولادنا ليلعبوا مع ولاد الجيران ربما بداعي الخوف أو لعوامل أخرى، فأصبح جيران العمارة الواحدة لايعرف بعضهم بعضًا، نحن من توقفنا عن اضاءة مصابيح فانوس رمضان، وتعليق الزينة، وملء صفوف الجوامع في صلاة التراويح، ثم السهر والقعدة على القهوة أو لمة العيلة قدام صينية كنافة بيتي افتقدنا روحها وسط أصناف الكنافة الغالية والغريبة عن مطبخنا، نحن من توقفنا عن زيارة الأهل وصلة الرحم، والتنافس في الخير لوضع أي ابريق عصير او طبق طعام جوه جامع شارعنا، في لفتات كانت بسيطة تأثير عظيم وثوابها كبير.

مازلت أتذكر جيدًا طبلة المسحراتي واحنا بنبصله من شباك بيتنا، وحلة العدس اللي كانت والدتي بتخليني اوديها لجامع شارعنا قبل الفطار بدقايق، واكواب الخشاف والبلح باللبن، والطبق اللي طالع نازل من بيت لبيت جيراننا طول الشهر، ولسه فاكر صلاة التراويح وكل يوم حد من الجيران بيجيب عصير يتوزع على الناس اللي بتصلي، ولعب الكورة مع شباك الحارة قبل الفطار وأكياس السوبيا اللي بنجيبها واحنا راجعين، لسه فاكر كويس شنط رمضان اللي كنت بوزعها مع أبويا وأنا صغير، وايده اللي حاضنة ايدي الصغيرة وهو بيلف بيا كل يوم على حد من قرايبنا، ولسه فاكر ذكريات كتير لا تنمحي مع الزمن وبشتاق ليها كل رمضان.

ولكن هل فات الوقت لتعويض ذلك ؟ ربما أصبح الأمر يتطلب مننا جهدًا أكبر لاعادة الامور الى نصابها، لنعيد الى الأيام واللحظات روحها ومعناها، فالأيام لا تفقد روحها، إلا عندما تنطفئ الروح في داخلنا، لا تلعنوا الأيام، وأعيدوا إلى رمضان روحه الغائبة.   
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط