الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أمريكا وإيران ولعبة تهديد المصالح


لا أعتقد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لديه القدرة على اتخاذ قرار بشأن توجيه ضربات عسكرية ضد إيران، برغم عمليات التصعيد الأخيرة وإرساله منظومة متطورة من صواريخ دفاع جوي من نوعية الباتريوت ، كذلك انضمام حاملة الطائرات الأمريكية U . S . S أرلينجتون التي تحمل مركبات برمائية وطائرات مقاتلة إلى حاملة الطائرات أبراهام لينكولن المتمركزة في مياه الخليج لتدعيم قوتها العسكرية في الخليج ، كذلك دعمت امريكا قواعدها في قطر بمزيد من القطع الحربية ، ربما لترسيخ التواجد ولتنفيذ مهام آخرى بجانب المهام المعلنة طبقًا لمعايير السياسة الأمريكية. 
 
وأعتقد أن التصعيد الأخير جاء تحسبًا لتنفيذ التهديدات الإيرانية تجاه القواعد والمصالح الأمريكية في المنطقة بجانب تهديد مصالح حلفائها ، وهو ما تمثل مؤخرًا في ضرب سفن النفط بحسب ما أذاعته الإمارات عن تعرض 4 سفن تجارية لـعمليات تخريبية دون وقوع أضرار بشرية ، وكان من بينها ناقلتي نفط تابعتين للسعودية، وتعرضتا للتخريب وأعقب ذلك أيضًا تعرض محطتي ضخ بترول في محافظة الدوادمي شمال غرب منطقة الرياض لاستهداف تخريبي، تمثل في هجوم بطائرات بدون طيار على محطتا ضخ لخط الأنابيب الذي ينقل النفط السعودي من حقول النفط بالمنطقة الشرقية لميناء ينبع على الساحل الغربي . 

عقب تلك الضربات لم يكن غريبا تحديد الجانب المستفيد من ضرب وتهديد دول بترول الخليج وهم حلفاء أمريكا في المنطقة . أصابع الإتهام أشارت لتعاون الحوثيين مع إيران في ضرب مصالح حلفاء أمريكا في المنطقة ، خاصة عقب قيام أمريكا في أول مايو الحالي بتشديد العقوبات على إيران ، وتضيق الخناق على ثماني دول كانت تستورد البترول الإيراني ، وتوقفت بناءً على القرار الأمريكي بمنع تصدير البترول الإيراني لبعض دول أوروبا وتشديد العقوبات الاقتصادية علي ايران نظرا لقيام الأخيرة بسلسلة من التصريحات بعد فاض بها كيل تشديد الحصار .  

فيما أعلنت دول الخليج أنها قادرة على سد الفجوة التي تنشأ عن احتياج اوروبا للبترول الإيراني ، وأنها ستوفر البديل لأوروبا، فكان من الطبيعي أن تقوم إيران ومعها الحق من وجهة نظرها، وطبقًا لمصالحها بتهديد نفط الخليج الذي قد يؤدي لتدمير الاقتصاد الإيراني ، الأمر الذي نرفضه جملة وتفصيلًا في الواقع ، ومع تحرك عدد من القطع البحرية الأمريكية في اتجاه الخليج لحماية مصالحها قامت إيران بإعلانها التراجع عن تنفيذ بعض بنود الاتفاق النووي الذي تم توقيعه عام 2015 (وانسحبت منه أمريكا العام الماضي) وطالبت إيران المجتمع الدولي وخاصة الدول المستورد لنفطها بحمايتها من العقوبات الأمريكية ، و أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن بلاده ستستأنف تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية.

كما أعلن تعليق بيع اليورانيوم المخصب والماء الثقيل الفائضين لدى بلاده، التصريحات أشعلت الموقف الأمريكي خاصةً مع التهور الذي يتسم به ترامب، ومع تزايد لهجة التهديدات الإيرانية ، والتهديدات الشديدة اللهجة و التي جاءت علي لسان حسين سلامي القائد الجديد للحرس الثوري الايراني المعروف بعدائه لامريكا و الذي اكد علي إغلاق مضيق هرمز الذي يتحكم في ثلث حجم عبور السفن التجارية الدولية، كانت التحركات الأمريكية رسالة واضحة لإيران عن التصدي لأي محاولات ضد المصالح الأمريكية في المنطقة.

وجاءت تصريحات جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي لتؤكد أن التحركات العسكرية لبلاده في الخليج هي رسالة واضحة للنظام الإيراني بأن أي عمل ضد القوات والمصالح الأمريكية والعالمية سيواجه بحزم. تصريحات بولتون أشعلت وأزمت الموقف ، مثلما حدث من قبل في مفاوضات ترامب و كيم جونج زعيم كوريا الشمالية، في لقاء هانوي الذي انتهي بالفشل عقب تدخل بولتون في مفاوضات نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية، بعد أن كانت أوراق الاتفاق معدة للتوقيع، وطالب ترامب أن تقوم كوريا الشمالية بتقديم تنازلات كثيرة عن ترسانتها النووية، وصفتها كوريا الشمالية بأنها تصريحات غبية مخيبة للآمال، وفشل ترامب في كوريا وعاد حاملًا معه خيبة أمل، في الوقت الذي تقاربت فيه مصالح الكوريتين الشمالية والجنوبية عقب تصريحات غبية لجون بولتون طبقا لمقتضيات مصالح الكوريتين.

إيران لديها نفس القدرة علي التصريحات المتهورة وعدم ضبط النفس في التصريحات النارية ، التي يمكن أن تشعل المنطقة كلها، والتي جاءت على لسان قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي الذي أكد على أن إيران لن تسمح لأي سفينة بالمرور داخل مضيق هرمز إذا تم منع السفن الإيرانية المحملة بالنفط من العبور، وأن حلفاء أمريكا في المنطقة سيلقون عقوبات أقسى من العقوبات الأمريكية على إيران، وهو ما يؤكد أن ميليشيات تابعة لإيران في اليمن وراء تنفيذ عمليات التهديدات لسفن ومحطات البترول عقابًا لها على أن تكون بديلاَ للبترول الإيراني في اوروبا. وبرغم سخونة التصريحات.

إلا أن الواقع العملي وطبقا لمصالح الطرفين فإن إيران لن تجازف بالانخراط في مواجهة أمريكية عسكرية لانها منهكة اقتصاديا ، أيضًا أمريكا سوف تتجنب الوقوع في المصيدة الإيرانية ، لأنها تراهن على ورقة العقوبات ولا تريد أن تضحي بأي جندي أمريكي أمام الجيش الثوري الإيراني ، بالإضافة للدعم الروسي لإيران خشية المد الإيراني في روسيا أيضًا ، والأهم أن روسيا لن تسمح بهزيمة سلاحها العسكري في إيران.

كذلك ارتياح امريكا لوجود التهديد الايراني لامن الخليج و الذي يمثل مغنما لامريكا تربح منه فواتير الحماية لامن المنطقة من المد الشيعي حسبما توهم دول الخليج بذلك . وأعتقد أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي بومبيو لروسيا منذ أيام قليلة كانت على طاولة مفاوضاتها الرئيسية إطلاع الجانب الروسي على الموقف الأمريكي تجاه إيران، إنها توازنات تمليها مصلحة الطرفين علي الواقع العملي ، ببنما يدور الصراع الحقيقي في الخفاء على مصالح الطرفين فى الكعكة العراقية.

إيران تبسط نفوذها في العراق وهي تريد بقاء العراق ضعيفاَ حتى تضمن بقاء نفوذها، ولن تتخلى عن نفوذها فيه، لأن تواجدها في العراق يساعدها على الصمود أكثر أمام العقوبات والتهديدات الأمريكية، أيضًا العراق يعتبر ممر استراتيجي لوجودها في سوريا ولبنان حتى البحر المتوسط، وهي ترغب في أن تكون من الدول المهددة لأمن إسرائيل حتى تبقى لاعباَ أساسيًا في لعبة مفاوضات حل القضية الفلسطينية، مما يؤكد نفوذها في المنطقة. غير أن أمريكا لن تسمح بالتمدد الإيراني في العراق، وترفض التصريحات الإيرانية بشأن عودة العراق للدولة الفارسية الكبرى، وأنها لن تعود ابدًا للمجتمع العربي ،

لذلك فالتهديدات الأمريكية لإيران تسعى لوأد النفوذ الإيراني في العراق ، وربما تشتعل العراق بأزمات تخلقها إدارة ترامب لتوطين الميليشيات الداعشية فيها، لتكون الذراع الطولي واليد القذرة للعمليات الأمريكية في المنطقة بعد القضاء علي فلول الدواعش في سوريا وليبيا ، وهذا ما يفسر المطالب الأمريكية لرعاياها في العراق بالرحيل. التهديدات الأمريكية يمكن ببساطة شديدة التصدي لها وسحقها، إذا استجاب صوت العقل في العالم العربي لجمع الشمل ، ونجاح الوساطات التي تقوم بها العراق بين إيران ودول الخليج ، والذي رحب بها الرئيس حسن روحاني أثناء زيارته للعراق، وأعلن عقب عودته أن الحل يكمن في التوحد.

وفي اعتقادي أن أمريكا لن تسمح بذلك، وستضع العراقيل ضد تنفيذ أي توافق إيراني عربي، وستقوم بتحويل دفة الصراع إلى صراع ديني سني وشيعي ، وسيقبع العرب في هذا الفخ الشيطاني مجبرين لإرضاء أمريكا.

ترامب فشل فشلاَ ذريعًا في معظم سياساته الخارجية، ولم تنجح أمريكا في بسط النفوذ والإملاءات على كثير من البلدان، أمريكا فشلت في كوريا الشمالية، وفي فنزويلا، وفي التصدي للتنين الصيني، ومؤخراـ في مواجهه روسيا في سوريا بسبب التحالف الروسي الإيراني السوري. كذلك فشل ترامب في ليبيا، وفي إجبار مصر علي الحياد في الصراع الليبي والسوداني، أيضًا فشل ترامب في ملف المقاطعه العربية لقطر، وكسب فقط مليارات الدولارات التي عوضت فشل سياسته في فرض التصالح العربي القطري، ومع وجود مثلث الشر (بولتون، كوشنر، ايفانكا ) تتلاعب خيالات ترامب بقوة النفوذ العسكري بدون رسم سياسات واضحة ذات تأثير على المنافسين الدوليين ، فيما يتصاعد النفوذ الاقتصادي للتنين الصيني، الذي لا يشغل نفسه ببسط النفوذ العسكري الذي سيتلاشي قريبًا أمام القوة الاقتصادية للنفوذ الصيني.

ملحوظة :

المشهد الراهن يحتمل اجتهادات ورؤى مختلفة طبقًا لتطورات مصالح اللحظة بين الطرفين وأتمنى أن أكون قد اقتربت قليلا من تحليل وتبسيط المشهد.


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط