الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«تايسون» الذي أشبهه


حين تسودُ "المحسوبية" وتتغول، تنسحبُ "الموهبة" وتتراجع، مُجبرة وأحيانًا بإرادتها، وكأنها ترى الواقعُ عبثًا تترفع عن الخوض فيه، فمن يملك الموهبة وحدها، لا تأتيه الفرصة ساعية بل يقتنصها، يبذلُ العرق والدموع ليجدها، يُناضل من أجل الحصول على موطأ قدم، وحين يحصل عليه، يتقدم بخطى ثابتة دون توقف، بنهم من يسعى لتعويض سنوات التوقف والانتظار.

الفنان محمد ممدوح "تايسون" أحدُ الموهوبين في عالم الفن والدراما، الذين يحفرون بأظافرهم في الصخر، فيتركون بصمة وأثرًا صعب النسيان، يُؤدي الدور الثانوي بحماس من يُقدم البطولة المطلقة، ويكفي أن يُطل على الشاشة ليسرق العين والقلب ويقتنص الكاميرا حتى قبل أن يفتح فمه ليتحدث، وتلك الموهبة التي لا يختلف عليها اثنان، لم تجعل البعض يتورع عن توجيه انتقاد قاسٍ له فيما يرونه عيبًا في "النطق"، الأمر الذي ذكرني بالمثل البلدي "مالقوش في الورد عيب". 

النقدُ في حد ذاته ظاهرة صحية، وفنًا من فنون الكتابة الفنية لا يُمكن إنكاره، إلا أن اختزال أداء النجم "تايسون" في بضع كلمات لايفهمها البعض، يمثلُ ظلمًا بينًا له، لاسيما في الموسم الرمضاني الحالي، الذي يشهدُ نُضوجًا فنيًا فريدًا لـ "تايسون"، سواء في الشخصية شديد التركيب للضابط طارق، في مسلسل "قابيل"، الذي فقد زوجته أمام عينيه، وبات مثيرًا للشك في قضايا مقتل عدد من الضحايا، أو الشخصية المتعددة الأوجه ضاحي الكيال، تاجرُ المُخدرات الصعيدي، في مسلسل ولد الغلابة، الذي لا تمنعه قسوة قلبه ودوافع الانتقام عن لمعان عينيه كطفلٍ حين يرى حبيبته صفية، فهناك الكثيرُ من الجوانب الإيجابية في الأداء، وإتقان الأدوار، وامتلاك أدواتُ الشخصية، كان محمد ممدوح - وربما المتحمسين لفنه أيضًا - ينتظرون أن يجدونها بين سطور من كتبوا آراؤهم في دراما رمضان هذا العام، على صفحات الصُحف، والمواقع الإلكترونية، ومنصات السوشيال ميديا، ولكن جاء الحُكم ظالمًا مجحفًا بكل المقاييس، وربما باعثًا على الإحباط في قلب النجم، الذي يُمكنني أن أرى بوضوح ما بذله من جهد في تقديم الشخصيتين، كان يتطلعُ أن يرى ثماره في آراء النقد البناءة. 

محمد ممدوح لم يجد حرجًا في النظر بعين الاهتمام إلى هذا النقد غير المُنصف من وجهة نظري، حيث بدا الأمر بتدوينة على صفحة تحمل اسمه على موقع "فيسبوك"، تضمنت اعتذارًا من تايسون عما تسببه مشكلة النطق لدى البعض، كما تداولت الأوساط الفنية بصورة واسعة أنباء نقلًا عن أصدقاء لمحمد ممدوح، عن قيام النجم "تايسون" بالفعل بتلقي جلسات تدريب على تنظيم مسألة التنفس لتحسين مخارج النطق، والتي تتطلب على حد قولهم وقتًا لتظهر أثارها، وهي الخطوة التي إن صحت فإنها تعكس جدية النجم، وتمثل جانبًا ايجابيًا جديدًا يضاف إلى "تايسون"، ففي داخل كل منا كوامن نقص ينبغي أن نسعى لإتمامها، ولدينا جميعًا عيوبًا نحتاج إلى تداركها، إذا أردنا استكمال الصعود والنجاح، ولعل هذا دأب "الكبار" في كل مجال، فمسيرة التعلم والتدريب واكتساب الخبرات لا تتوقف، وتطوير الأداء يستمر، والطموح لا ينتهي عند أفق، ولعل لدى "تايسون" دافعٌ كبير لتجاوز هذه المرحلة واستكمال العلاج من أجل نفسه وقيمته الفنية قبل أن يكون من أجل جمهوره.

"تايسون" يُذكرني بنفسي، ففي طفولتي تعرضتُ لحادثٍ مُؤلم، ترك في حياتي أثرين، الأول: نَدْبَةٌ تُزين حتى الآن جانب وجهي الأيسر، والثاني: رَتَّةٌ في النطق ظلت تلازمني لسنوات طالت، لم تنجح كافة أساليب العلاج في التخلص منها، وكادت تسقطني أسير وحدتي وعزلتي عن الناس، حتى أخذ بيدي أحدهم، وهو الأستاذ "عبد الله" الأخصائي الإجتماعي بالمرحلة الإعدادية، الذي دفعني إلى أن أتحدى خوفي بالمُشاركة الدائمة في الإذاعة المدرسية، والانخراط في الأنشطة الثقافية، وحين فارقت الأستاذ "عبد الله" لمرحلة تعليمية جديدة، إزددتُ إصرارًا على إتمام حياتي وفق خارطة الطريق التي وضعها لي، حتى توارت عيوب النطق وغدت أثرًا بعد عين، رُبما لهذا آلمني أن يُنتقد "تايسون" لهذا السبب، وربما يكمن هنا سر الكتابة عنه، عن تايسون الذي أشبهه. 
ــــــــ
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط