الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الوطنية تتغلب على الديمقراطية


هل فعلا الديمقراطية تشكل حلاً سحرياً لتقدم الدول، وفقا لآراء من يصفون أنفسهم بالمدافعين عن حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، أم أنها أكذوبة ثبت فشلها في كثير من الدول سواء كانت عربية، أو إسلامية، أو حتى غربية؟
 تقديري، أن الوطنية أثبتت في كثير من الحالات أنها أفضل كثيرًا من الديمقراطية ، التي أثمر تطبيقها عن نتائج سلبية ، في كثير من دول العالم ، بما فيها الدول الرأسمالية الكبرى كالولايات المتحدة ، بعد أن تحولت الديمقراطية إلى" ديكتاتور" يتكون من جماعات ضغط تضع مصلحتها الشخصية فوق المصلحة الوطنية لهذه الدول.

وسأضرب بعض الأمثلة عن فشل الديمقراطية ، بالقياس بالوطنية ، في الداخل العربي ، قبل التطرق للخارج الغربي . و قبل الخوض في لب الموضوع ، ينبغي أولا تعريف معنى كلمة "ديمقراطية " ، فالديمقراطية هل كلمة يونانية قديمة، تعني "حكم الشعب " حتى لو كان نسبة الفائز تزيد عن نسبة المهزوم بنسبة 1 في المائة فقط، مع عدم استبعاد أي توجهات حتى لو كان أصحابها من الشواذ جنسيا أو الملحدين.

.. وهنا يبرز السؤال، هل تقبل نسبة 49 في المائة من مجتمعاتنا العربية، بخلفياتها الدينية، والقبائلية، والعرقية، والمذهبية، والعقائدية، والفكرية، أن يحكمها من يحصل على 51 في المائة حتى لو كان جانب من أصحاب هذه الأغلبية من الشواذ جنسيا أو من غير المؤمنين بالله؟.

تساؤل فرض نفسه، بعد أن اتهمت إحدى عضوات جماعة الإخوان الإرهابية في أمريكا تدعى ، آيات عرابي، الممثلان خالد أبو النجا، وعمرو واكد، بأنهما من أشد أعداء الإسلام، ليس بدافع انتمائهم الوطني، و لكن بدافع قناعتها الدينية ، وذلك في إطار تعليقها على إجتماع عمرو واكد، وخالد أبو النجا ، مع بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي للاستماع إلى وجهة نظرهما بخصوص الديمقراطية في مصر . و يعني إتهام آيات عرابي، لعمرو واكد، و خالد أبو النجا ، في عرف التيار الديني المتشدد أنهما يستحقان القتل ، دون محاكمة ، و دون التحقق من حقيقة ما إذا كانا فعلا من أشد أعداء الإسلام ، أم أنهما يتحركان بدوافع تستهدف تحقيق مكاسب مادية ، أو تنفيذ أجندات أجنبية أو الإثنين معا . ففي مجتمعاتنا العربية و الإسلامية ، يكفي أن يكفر إنسانا إنسانا آخر مختلف معه في الرأي ، ليقتله أو يصدر فتوى بقتله ، و لا أدل على ذلك من قاتل الكاتب و المفكر، فرج فودة ، فعندما سأله المحقق ، لماذا قتلت فرج فودة فأجاب، لأنه ينشر كتب تدعو إلى الكفر و الإلحاد، فسأله المحقق من أين عرفت، أجاب أكد لي ذلك الدكتور الإخواني ،محمود مزروعة ، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر ، و سأله هل قرأت هذه الكتب بنفسك ؟ أجاب القاتل لا لم أقرأها " أنا ما بعرفش أقرأ و لا أكتب " و نفس الشيء بالنسبة للإرهابي الذي حاول قتل الكاتب العالمي، نجيب محفوظ ، فكان رده في التحقيقات عن سبب محاولته قتل نجيب محفوظ فأجاب: لأنه كافر مرتد فسأله المحقق من أين عرفت أنه كافر مرتد ، فأجاب من خلال رواية أولاد حارتنا، فقال له وهل قرأتها فقال له لا لم أقرأها .

فلو حللنا مفهوم الديمقراطية ، في دولنا العربية ، سنجد أن كل طرف يطالب بالديمقراطية يرفض الطرف الآخر، و يعلي قدر مرجعيته الدينية، و المذهبية ، و العرقية ، و القبائلية، و الفكرية ، و الثقافية على الآخرين .و خير دليل على ذلك، ما حدث بدولة العراق، فعندما تبنت العراق الديمقراطية بعد زوال حكم ، صدام حسين، طغى فيها الجانب المذهبي، و العرقي، على الجانب الوطني، رغم إعتناق الشعب العراقي للدين الإسلامي ، فالشيعة المسلمين أصبحوا يمثلون كيانا شبه منفصل ، عن السنة المسلمين، في حين قرر الأكراد المسلمين ، الإنفصال عن دولة العراق ، بإقامة دولة كردية، على الأراضي التي يتكاثر فيها العرق الكردي .



وإذا كانت مشكلة تطبيق الديمقراطية في الدول العربية و الإسلامية ترجع إلى تغليب الإنتماءات الدينية ، و المذهبية ، و العرقية ، و القبائلية على المصلحة الوطنية ، فإن بعض الدول الغربية تعاني هي الأخرى من عوار مماثل، لكنه يختلف بتغليب مصالح جماعات الضغط أو اللوبيات على المصلحة الوطنية لهذه الدول . و تأتي الولايات المتحدة الأمريكية على رأس ضحايا مصالح اللوبيات . فالحاكم الحقيقي للولايات المتحدة ليس الرئيس الذي إنتخبه الشعب الأمريكي ، بل المتحكم الفعلي في حكم أمريكا أصبح جماعات الضغط القوية، التي تأتي بأموالها و نفوذها بالرئيس الأمريكي و إدارته ، و تملي عليهما سياساتها ، سواء كانت هذه الإدارة هي إدارة ديمقراطية ، أو جمهورية .

و تتمتع جماعات الضغط في أمريكا ، بنفوذ لا حصر له، بفضل قوة المال، و المصالح، خاصة من خلال دعم الحملات الإنتخابية للمرشحين للرئاسة، و لنواب الكونجرس ، و يأتي على رأس جماعات الضغط في أمريكا لوبي تجارة السلاح، و لوبي أسواق المال، و اللوبي اليهودي المؤيد لإسرائيل .

ومن سوء حظ الديمقراطية الأمريكية أنها سقطت في براثن مصالح تحالف أثنين من أقوى جماعات الضغط في أمريكا ، هما اللوبي اليهودي الإسرائيلي، ولوبي تجارة السلاح، ففي الوقت الذي أصبح فيه من مصلحة إسرائيل ضرب القوى العسكرية للدول العربية ، تزامنت هذه المصلحة مع مصلحة لوبي السلاح الذي تزداد مبيعات سلاحه للجيش الأمريكي كلما خاض حربا جديدة في الشرق الأوسط، ليصل إجمالي الحروب التي خاضتها أمريكا في هذه المنطقة لنحو 13 حربا . و لا تقف قوة لوبي تجارة السلاح عند بيع الأسلحة للجيش الأمريكي، لكنه يستمد قوة مماثلة من بيع الأسلحة الشخصية داخل الولايات المتحدة نفسها ، حيث بلغ عدد الأسلحة المملوكة لمواطنين داخل الأراضي الأمريكية ، سواء كانت مسدسات أو بنادق نحو 270 مليون قطعة سلاح، يمثلون نحو 40 في المائة من إجمالي الأسلحة الشخصية المملوكة لمواطنين حول العالم . و يبلغ عدد متاجر بيع الأسلحة الشخصية في الولايات المتحدة، نحو 36 ألف متجر، وفقا لمجلة "بيزنيس إنسايدر" الأمريكية . و كشفت مؤسسة" لايت فاونديشن" غير الحكومية الأمريكية ، عن أن النواب الذين يعترضون على سن قوانين بمنع حيازة الأسلحة الشخصية في أمريكا ، رغم تزايد حوادث القتل اليومية في الولايات المتحدة ، تلقوا تبرعات من لوبي تجارة السلاح لمساعدتهم في الوصول لمقعد البرلمان الأمريكي.

و جاءت تصريحات الرئيس ، دونالد ترامب ، لتعكس مدى خضوع الإدارات الأمريكية لجماعات الضغط . يقول دونالد ترامب " لقد أخطأنا بالتورط في حروب لا طائل منها بلغت تكلفتها، 12 تريليون دولار ، لم تثمر سوى عن الإطاحة بالرئيس العراقي ، صدام حسين ،و الرئيس الليبي ، معمر القذافي ، في إطار مكافحة الإرهاب في وقت كان فيه صدام و القذافي من أشد أعداء الإرهابيين " .

و تابع ترامب قائلا " نحن لا زلنا ننفق مليارات الدولارات على جماعات مسلحة في سوريا لا نعرف عقيدتها، أو أيديولوجياتها ، بهدف إسقاط الرئيس السوري، بشار الأسد ، أنا لا أدافع عن الأسد ، لكني أقول أن الولايات المتحدة أنفقت مبالغ لا حصر لها على حروب لا طائل منها ، في الشرق الأوسط ، في وقت أصبحت تعاني فيه بلادنا من بنية تحتية متهالكة ، فطرقنا ، و مدارسنا، و مطاراتنا، أصبحت في حالة يرثى لها، و في المقابل خصصت الصين كل مواردها لإقامة بنية تحتية قوية، خلقت الوظائف لمئات الملايين من الصينين ، و بدأت تتفوق علينا من خلال سرقة التكنولوجيا الأمريكية فائقة التطور" .

و في المقابل رفضت الصين تماما نموزج الديمقراطية الأوروبية الأمريكية، و إتخذت الوطنية نبراسا لها ، رغم شلالات الإنتقادات الذي ظلت تنهال على الصين في مجال إنتهاك حقوق الإنسان، و حرية الرأي ، و التعبير . و لا يمكن إغفال قيام القوات المسلحة الصينية بفض مظاهرات طلاب جامعة بكين في ميدان" تيانانمن " للمطالبة بالديمقراطية على الطراز الغربي . و كان تدخل الجيش الصيني في فض إعتصامات ميدان تيانانمن قد أسفر عن إبادة معظم المعتصمين ، في الميدان ، الواقع بوسط العاصمة الصينية ، مما أدى إلى مقتل أكثر من 10 آلاف صيني، في 4 يونيو 1989 .

و لا أفضل من الأرقام التي لا تكذب و لا تتجمل، لإثبات نجاح الوطنية الصينية ، في صعود الصين الصاروخي ، حتى أصبحت الصين مصنع العالم ، و يتوقع أن تهيمن الصين على الإقتصاد العالمي، و على التقدم التكنولوجي فائق التطور، إعتبارا من النصف الثاني من القرن الحادي و العشرين . فقد نجحت الوطنية الصينية في مضاعفة الإقتصاد الصيني، 42 مرة ، ما بين 1980 و 2018، لتزيد قيمته من 300 مليار دولار أمريكي، إلى 13 ترليون دولار أمريكي.. وارتفع عدد المليارديرات في الصين إلى 620 ملياردير ، و بذلك تكون الصين هي أكثر دولة تحتضن مليارديرات في العالم و على رأسهم جاك ما، رئيس شركة علي بابا .و تحتل الصين المرتبة الأولى كأكبر مصدر في العالم ، و صدرت الصين بنحو 5ر2 ترليون دولار من البضائع، و الخدمات، عام 2017 ، أي أكثر بكثير من صادرات الولايات المتحدة التي أحتلت المرتبة الثانية ، و هو ما دفع الولايات المتحدة لإتخاذ إجراءات حمائية للحد من غزو المنتجات الصينية لأسواقها .

و في النهاية قد يقول البعض ، أن الديمقراطية حققت نجاحا في بعض الدول ، مثل ألمانيا، و اليابان ، و الدول الإسكندنافية ، و يجب الإعتراف بأن هذه الدول حققت بالفعل نجاحا ، لكن هذا النجاح ساعد في تحقيقه أسبابا تتعلق بعادات، و تقاليد ، و تكوين هذه الدول، فهي دول لا تحدد مواقفها وفقا لمرجعيات دينية، أو مذهبية ، أو عرقية، أو قبائلية، لأنها غير متعددة الأديان ، والمذاهب والأعراق ، لكنها تدفع في نفس الوقت ثمنا باهظا لإعتناق الديمقراطية ، التي تسمح بزواج الشواذ، و بحريات لا حدود لها ، ما أدى لتراجع المواليد في هذه الدول، لتصبح دول عجوز، يتوقع أن تختفى من الوجود خلال قرنين من الزمان .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط