EN 
طالعتنا الصحف الفلسطينية بتصريحات لشخصية سياسية مرموقة تقول ان مصر أوقفت صفقة القرن الامريكية؛ وأضاف المصدر المسئول ان الرئيس عبد الفتاح السيسى رفض مجرد الفكرة والخوض فيها والحديث فى اية تفاصيل بشأنها ؛ واستكمل المصدر نفسه القول بأن الراحل محمد مرسى كان قد وافق وأكد انه راض بتوطين الفلسطينيين فى سيناء بل وانه قال ولو عاوزين شبرا نعطيها لكم .
الحديث عن صفقة القرن من وجهة نظرى المتواضعة هو حديث جس النبض وايضا رمى قليل من الزيت على النار لكى يطلع اكثر واكثر على ما خفى وابتعد .. الولايات المتحدة تدرك تماما ان مصر رئيسا وحكومة وشعبا رافضة تماما التنازل عن حبة رمل واحدة من أراضيها ، وتعلم واشنطن تمام العلم ان رئيس مصر قائد عسكرى اى انه ينتمى لمدرسة صناعة الابطال التى تضحى بنفسها من اجل وطنها وبأن رجال هذه المدرسة يعيشون ويفنون اعمارهم من اجل عزة ورفعة اوطانهم وبأنهم اذا ما دخلوا حربا فهم يجاهدون من اجل احدى الحسنيين النصر او الشهادة ، فهل رجال بهذا الايمان وبهذه العقيدة من الممكن ان يجلسوا على مائدة مفاوضات يتحدث فيها ايا كان مكانه ومكانته عن توطين آخرين فى بلادهم وفى جزء من وطن خاضوا من اجله الحروب وخضبت رماله بدمائهم الذكية .
أعتقد ان الولايات المتحدة تنتهج نهج الغرب ابان قيام دولة الاندلس فى اسبانيا الحالية ، فقد كانوا يرسلون جواسيسهم ليعلموا حالة الشعوب وهل الظروف مهيأة لشن حرب على الحكام العرب حينذاك وتدمير دولتهم التى لها كل الفضل فيما هم عليه الان ، كان الغرب يرسلونهم ويستمعون اليهم عندما يعودون وظلوا لسنوات طوال يقول جواسيسهم لهم انهم التقوا بعلماء اجلاء يبكون دما لأن يومهم انقضى دون تدوين ابحاثهم وانهم بذلك اضاعوا يوما من عمرهم العلمى هباء ، واخرون سعداء بما توصلوا اليه من اكتشاف فى احد فروع الطب والهندسة ، والشباب معنى بالدراسة ، وأهل الفن معنيون بتجويد فنهم وجعله ذا هدف ورسالة ، والتراجم فى ازدياد ، والشوارع فى الازدهار؛ والدنيا كلها تعمل على ارضاء الله والعمل بدينه والسير على سنة رسوله ، بل وانهم تحدثوا عن احترام الاخر وغياب العنصرية تماما وتآخى المسلم والمسيحى واكثر من ذلك ان الحاكم يتخذ مستشاريه من المسيحيين ويجلهم ويقدرهم ؛ وحينها كان قادة الغرب العسكريون يعلنون استياءهم ويؤكدون ان مرحلة الغزو على بلاد الاندلس وانتزاع العرش من قادتها لم تحن بعد ، وظلوا هكذا طويلا جدا حتى اكد لهم الجواسيس ان حال الشعوب تغيرت تماما فقد اصبح علماؤهم يبكون لان الحاكم لم يجزل لهم العطاء ، والشباب يبكون لان رفيقاتهم تركوهم وذهبوا للاغنياء ، وان الدنيا اخذتهم اخذا فصاروا يتفاخرون بمعصية الله وبالبغاء وتركوا كل مايقربهم من الله وصارت لياليهم وايامهم فسوقا ورذيلة وكل مايغضب رب السماء ، حينها قررت اوروبا مجتمعة ان تنقض على ملك الاندلس وتنتزعه انتزاعا وتقضى على حضارة انسانية وفكرية استمرت قرونا وتركت اثارها محفورة على الحوائط والجدران الاسبانية حتى الان ، ناهيك عن العلوم بكافة انواعها ومصادرها وحدث ولا حرج عن امهات الكتب التى ترجمت وصارت ذخرا لاوربا فى نهضتها الحديثة .
هذا النهج الاستعمارى المتأصل هو اسلوب الادارة الامريكية الحالى فى تعاملها بصفقة القرن المشئومة فهى طرحت الفكرة وألقت بها اعلاميا وتركت جواسيسها يتحسسون عنها وعليها لكى تعرف من المرحب ومن الرافض ، وايضا تعلم توقيت تنفيذ هذه الفكرة الشيطانية التى تفرغ القضية الفلسطينية من محتواها الى الابد وتسمح لاسرائيل بأن تتمطع وتفرد ذراعيها كيفما تريد وتحب .
واشنطن لن تغلق ملف صفقة القرن ابدا ولن تضع هذا الطرح فى دولاب النسيان ولكنها ستداوم على طرحه والحديث عنه من حين لاخر ولن تتردد بفتح باب المساومات والمراهنات وايضا ستعمل على خلق جيل يرحب بأفكار واشنطن ويساند اسرائيل فى سعيها الدائم لطى فلسطين طيا نهائيا وابتلاع ارضها واجبار شعبها على ترك بلده راضيا ام ابيا .. الكيان الصهيونى مدعوما بالادارة الامريكية السابقة والحالية واللاحقة اوقد الفرن ووضع فيه الصفقة ووضع معها كافة التحابيش والمقبلات وسينتظر ولايهمه الوقت بقدر اهتمامه باغتنام الفرصة لاخراج مخبوزه على الملأ مجبرا الطاعمين والطامعين عليه ؛ ولكنه على قناعة تامة بأن مصر رئيسا وشعبا سيقفون لهم بالمرصاد وسيجعلونهم يندمون على ما أنفقوه من اجل صفقتهم تلك ..واليوم والغد سيؤكدون ان صفقة القرن صفقة لاتجد لها محلا من الاعراب مصريا ولا مكانا ولا وجودا فى الاساس .
