الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جئناكم بالوزيرة مكرم



فى أحد المؤتمرات الصحافية قبل عدوان 67 على مصر ، وجه صحفى أمريكى سؤالا ينال من سيادة مصر وقال لجمال عبد الناصر : هل استأذنتم الولايات المتحدة قبل قرار غلق المضايق وكان رد جمال عبد الناصر أشد فقال :إذا لم يرضيهم قرارنا يشربوا من البحر الابيض وإن لم يكفيهم فليشربوا من البحر الأحمر!!

هى عبارة تبدو قاسية إلى حد ما لكنها رد مناسب على سؤال يفتقر إلى أبسط مبادئ اللياقة مع رئيس دولة كبيرة وزعيم بحجم ناصر ، ومع ذلك هى جملة نعرفها فى أوساطنا فهى ليست مهينة وإن دلت فإنها تدل على أننا أحرار فى قرارنا ولا يعنينا رأى أمريكا لكن المترجم الصهيونى تمادى وذهب بالمعنى بعيدا و تعمد أن يشرح معنى المثل ويضيف إليه ما ليس منه : قائلا للرئيس ريتشارد نيكسون أن ناصر يعنى بمقولته عن الشرب من البحار أنه سيجعلك شخصيا تشرب من مسقاة الخنازير! وهو مثل شعبي يفهم كغزاه الكاوبوى وهنا أصبح الكلام مهينا للأمركيين بعد ترجمة تعطى معنى يختلف تماما عن معنى الشرب من البحر فقال له ريتشارد نيكسون غاضبا: أكتب له رسالة وقل أنى سأجعله يقبل مقدمة حذائى وأنا على فرسي وتلك هى أقسى عبارة مهينة يفهمها الكاوبوى وما تشير إليه من ذل الهزيمة للعدو والإستجداء المقترن بزهو المنتصر على صهوة جواده .. 

وبعدها انطلق عدوان 67
..لابد من الحديث عن الثقافة العالمية وإدارتها والمسئول عنها ولابد من الحديث عن فشل اليونيسكو و مؤسسات صناعة الفيلم الأمريكية وهى المؤسسة الثقافية الأكبر فى العالم والاكثر تأثيرا ، وهى السينما الوحيدة التى توصف بأنها عالمية ، ومع ذلك فشلت فى قيادة الشأن الثقافى العالمى ، لا سيما فى مجال النقل والعبور بين الثقافات فالترجمة وحدها لا تكفى حتى يضحك أصحاب الثقافات المختلفة على نفس العرض الكوميدى ولا تكفى الترجمة ليضحك أمريكى على مثل شعبى صينى مضحك ، وهكذا حال العالم وسيظل طالما انشغلت المؤسسات الثقافية و صناع السينما العالمية فى أمريكا بتمجيد الأمة الأمريكية و ترويج نمط حياة الرجل الأبيض للعالم ، دونما نقل مقابل لثقافة من يعيشون شرق الأطلسي فى أوله و أدناه وأوسطه .

قد نعترف بأنهم نجحوا بالفعل فى تغيير أنماط استهلاك شرائح كبيرة من العالم واحتلوا بالسينما مفاصل اقتصاديات الدول الأخرى وأتاحوا الفرصة لما يعرف بـ الفرانشيز أو نظام المشاركة بالإدارة والعلامة التجارية الذى انتشر فى العالم خاصة فى مجال السياحة والسفر والفنادق و المطاعم والمقاهى والوجبات والمشروبات السريعة ، بالرغم من أن السينما أدت إلى اتساع رقعة النفوذ التجارى للغرب فى الشرق إلا أنها لم تستطع بعد كل هذا التاريخ أن تقرب بين الثقافات وعجزت حتى أن تشرح للعالم الفروق السطحية أو الجوهرية بين القيم ومعانيها فى الثقافات المحلية المتباينة .

وعلى نفس المنوال وبالرغم من أنهم أنتجوا أفلاما تاريخية عن العديد من البلدان الشخصيات والأحداث فى الشرق والغرب إلا أنهم أيضا لم يستطيعوا أن يشرحوا أو يفسروا شيئا من ثقافاتنا لمجتمعاتهم ، لا لشىء إلا لأنهم كانوا مشغولون بالدعاية الكاذبة لأنفسهم أو بعمل دعاية مضادة للأخر بحسب درجة تعاونه أو عداؤه للتمدد الغربى .

و عندما تتحدث الوزيرة المصرية السيدة مكرم بإشارة الذبح فى أحد المحافل فى كندا أمام مواطنيها لا تعنى الذبح والقتل للمعارضين بل تحاول أن تتحدث لغة شعبية مصرية غير رسمية مع مصريين مثلها و فى اللغات الشعبية أمثال وإشارات حدث فيها وعنها لا حرج وأنا لست مخول هنا لأدافع عن الوزيرة لكنى وجدت فيما حدث فرصة جيدة لأفضح فقر المعابر الثقافية وجفاف قنوات الأتصال الثقافى بين الأمم والحضارات ، فرصة جيدة لاكشف عن أزمة المعنى بين الثقافات المختلفة ولذلك أود من كل من يريد الحقيقة أن يعود إلى علم وموضوعات تتحدث عن العبور الثقافى لترى أنك لن تستطيع أن تفسر بعض الأشياء و بعض الكلمات والإشارات إلا إذا قمت بدراسة منهجية تمكنك من العبور من مفهومك واستيعابك للإشارة إلى مفهوم الأخر واستيعابه لها فترجمة المثل الإنجليزى ( لا يُصلح الحلاق ما أفسده الدهر ) فى مصر هى (إيش تعمل الماشطة فى الوش العكر!) تخيل فى مثلنا الشعبي شبهةازدراء وتحقير لمن لا يملكون نصيبا من الجمال أو أنه ازدراء واضح لو تم ترجمته حرفيا بالفهم الغربى للمثل ، وهذا متكرر فى كثير من الأمثال وهنا يجب أن نفهم أن المعنى من الإشارة الشعبية التى ارتجلتها الوزيرة لا يعنى أن السلطة تذبح معارضيها بل أن المصريين سيذبحون من يحاول الإساءة لمصر وهو أمر شعبوى متفق عليه فلا شىء ينتظر من يسىء لمصر إلا الذبح على يد أبنائها وهذا ما تردده كل الشعوب ولا يوجد نشيد وطنى لا يتوعد فيه الشعب أعداء الوطن بالردى والهلاك.. هكذا يمكن أن تفسروا الأشياء إن كنتم للحقيقة مريدين أو عنها باحثين وإذا ذهبنا إلي رياضة الغطس لوجدنا هذه العلامة تحت الماء تعنى استغاثة مسببة عنوانها أن اسطوانة الهواء قد أصبحت فارغة أو أن هناك مشكلة فى التنفس فإذا لم تكن متمرس أو دارس لتصورت أن زميلك الغطاس الذى يغوص بجانبك يهددك بالموت برغم أنه فى الواقع يستغيث بك.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط