الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رفض ملايين ملك السعودية.. حكاية المهندس المصري مصمم الحرمين المكي والنبوي

صدى البلد

من كل فج عميق يقبل ملايين المسلمين كل عام إلى الأراضي المقدسة، يتكدس الحرمان الشريفان بأولئك الذين اتسعت لهم الأرض بما رحبت، وفي كل عام تتزايد الأعداد، وتستوعبهم أرجاء الحرم المكي والنبوي، بعقلية من رسم وخطط وصمم توسعة الحرمين لاستيعاب تلك الأفواج، ذلك الذي أحب المعمار والهندسة حتى أطلق العنان بخياله وحلم بتصميم يكلل به حياته وآخرته، عشق مساجد المحروسة حتى أصدر مجلداته التي وصل صداها أوروبا وتخط حدود المحروة، لتقع صفحاتها بين أيدي خادم الحرمين الشريفين، الذي أعجب بإبداع وعقل ذلك المهندس المصري النابغ، ويقرر أن يوليه مهمة تطلع الكثيرون للتشرف بها، إلا أن ذلك النابغ المعماري استحقها بجدارة، لينال المهندس محمد كمال إسماعيل شرف تخطيط توسيع للمسجد الحرام والمسجد النبوي.


اختار الملك فهد بن عبد العزيز، الدكتور محمد كمال إسماعيل لتصميم توسعة الحرم النبوي، ليصبح أول مهندس قام على تخطيط وتنفيذ توسعة الحرمين أكبر توسعة للحرمين في تاريخ الإسلام، ومن بين ملايين المهندسين العرب والأجانب، تم اختياره بعد مشوار طويل له في الهندسة المعمارية، كان أول من حصل على الدكتوراه في الهندسة في مصر عام 1933، ويلقب بأصغر من حمل تلك الشهادة، ويبدأ مشواره في بناء وصيانة المصالح الحكومية التي أشرف على بنائها، أبرزها مجمع الجلاء بالتحرير ودار القضاء العالي ومسجد صلاح الدين بالمنيل.


عاش المهندس محمد كمال إسماعيل قرابة قرن، حتى لقب بشيخ المعمارين، تسعة وتسعون عاما عاشها حتى خلدت ذكراه في التاريخ بأعظم إنجاز، ولد عام 1908 في ميت غمر بمحافظة الدقهيلة، وكان من ضمن سبعة دارسين في كلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول، ولم تقف دراسته عند حدود الجامعة، ففتح لنفسه عالمه الخاص، ودرس الهندسة على يد أساتذة من أوروبا، إلا أن العمارة الإسلامية أثرت به وطبعت عليه رونقها الخاص فأعجب بها وتعلق بسحرها، فأبحر بعلمه في عالمها، ليدرس المساجد المصرية حتى أصدر موسوعته التي كانت طرف الخيط لاختياره لتصميم تسعة الحرم المكي والنبوي.

"مهما اديتني من ملايين ما يسواش الشرف الذي سوف آخذه، شرف عظيم إني سوف أقوم بتوسعة الحرم النبوي الشريف".. رفض شيخ المعماريين الحصول على مقابل مادي من الملك فهد بن عبد العزيز، ملك السعودية، إلا أن الأخير أصر على إعطائه أتعابه، وكشف شيخ المعماريين في أحد اللقاءات الإعلامية أن الملك فهد أصر على إعطائه أتعابه ثمنا لمجهوداته، إلا أنه رفض بعدما رأى أن أعظم ثمن هو نيل شرف ذلك التصميم، ووافق في النهاية إرضاءً له.

صمم المهندس إسماعيل كمال التوسعة عام 1982، عن عمر ناهز 75 عاما، الأمر الذي أثار دهشة خادم الحرمين وجعله يتساءل عن ذلك الرجل العجوز الذي مازال يتمتع بمهارة ونشاط الشباب، وفي مقابلة جمعتهما نظر له الملك فهد قائلا: "أنت أكبر مني بعشر سنوات؟ نشاطك هذا وشكلك هذا، مش معقـول، ما السر؟ ما الذي تفعله حتى يكون شكلك هكذا بهذه الحيوية وهذا النشاط؟!"، ليرد عليه قائلا: "يا فندم ربنا اللي بيعمل مش أنا، السبب الثاني أني دائما أعمل وشاغل نفسي بالشغل، دائما شغل باستمرار بدون توقف وفي اليوم الذي لا أشتغل فيه، أعتبر نفسي في عقاب".

لم يكن الملك فهد الوحيد الذي اختار المهندس المصري لوضع لمساته في أرض الحجاز، ففي عام 1952، وقع اختيار الملك عبد العزيز على شيخ المعماريين لتصميم مبنى وزراة الخارجية السعودية، إلا أن المشروع لم يكتمل لعدم توفر الميزانية.