تشهد الساحة السياسية الأمريكية حاليا سجالا سياسيا حادا بين الجمهوريين والديمقراطيين، بعدما أطلقت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، إجراء تحقيق يستهدف في نهاية المطاف إلى عزل الرئيس دونالد ترامب، متكئة في ذلك على تسريب مكالمة للرئيس ترامب وهو يطلب من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التحقيق مع نجل نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن الذي أعلن نيته الترشح لانتخابات الرئاسة 2020.
ما أدى إلى تصاعد الضغوط من الديمقراطيين بشأن ذلك، مستندين إلى ما يعتبرونه جرائم متعددة مثل عرقلة العدالة وانتهاك بند المكافآت في الدستور لصالح أعماله التجارية، بجانب تقويض حرية الصحافة.
ويرى الديمقراطيون أن "ترامب" يستغل سلطاته الرسمية في عمل غير محايد، يضر بمنافسه أي انه قام باستغلال وظيفته في مشهد خطير للغاية وهو السماح لدول أجنبية بالتدخل في العملية الانتخابية الأمريكية الداخلية، في الوقت الذي يرفض فيه "ترامب" هذه الاتهامات.
بيد أن بدء الإجراءات التشريعية داخل مجلس النواب لعزل الرئيس "ترامب" لا تعني فعليا عزله من منصبه، لكنها تقتصر على توجيه لائحة اتهام رسمية له، تمهيدًا لمحاكمته في مجلس الشيوخ، والبت في المسألة.
يُشار إلى أن عددا من البرلمانيين الديمقراطيين منذ أبريل الماضي طالبوا بإطلاق إجراءات إقالة ضد ترامب استنادًا إلى نتائج التحقيق حول التدخلات الروسية في حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت في 2016.
محاولات سابقة
منذ نشأة الولايات المتحدة، جرت محاولات أربع لعزل الرئيس وانتهت جميعها بالفشل، كانت المحاولة الأولى عام 1840 ضد الرئيس جون تايلور، الذى خدمته نتيجة انتخابات التجديد النصفي للكونجرس وانتقال الأغلبية لحزب الرئيس وانتهت المحاولة سريعا.
أما المحاولة الثانية فقد استهدفت الرئيس اندرو جونسون عام 1868 بسبب إقالته لوزير الدفاع المحبوب آنذاك إيدموند سانتون، ومر قرار العزل بمجلس النواب إلا أنه لم يمر فى مجلس الشيوخ لحصوله على 65 صوتا فقط أي أقل بصوت واحد عن الأغلبية المطلوبة وهي 66 صوتًا.
وبدأت المحاولة الثالثة للعزل عام 1973 كنتيجة لفضيحة ووترجيت، واختار الرئيس ريتشارد نيكسون الاستقالة عندما أيقن أن الأغلبية الديمقراطية تستطيع تمرير قرار عزله نظرا لتدنى شعبيته وصعوبة دفاع الجمهوريين عنه.
إجراءات عزل ترامب
في ظل تحرك الديمقراطيين فعليًا للبدء في الإجراءات القانونية لعزل الرئيس ترامب، والعمل على توجيه لائحة اتهام له؛ فإن خطوات العزل تبدأ بقيام اللجان المختصة (اللجنة القضائية، لجنة الاستخبارات، بعض اللجان الأخرى)، في مجلس النواب مناقشة لائحة الاتهام التي سيتم تقديمها ضد الرئيس ترامب.
وبعد المناقشات المستفيضة في هذه اللجان والتصويت على لائحة الاتهام النهائية، يتم التصويت في مجلس النواب بأكمله على توجيه لائحة الاتهام للرئيس، وفي حال التصويت عليها بموافقة الأغلبية البسيطة يتم الانتقال للمرحلة الثانية من إجراءات العزل والتي تتم داخل مجلس الشيوخ، هذا مع الوضع في الاعتبار المدى الزمني لمسار هذه العملية التي قد تستغرق وقتا طويلا، خلال المرحلتين الأولى والثانية، لكن ثمة تقارير أمريكية تقول إن الديمقراطيين يريدون الانتهاء من إجراءات عزل ترامب داخل مجلس النواب قبل نهاية العام 2019.
ووفقًا للدستور الأمريكي تجري إجراءات عزل الرئيس الأمريكي في إطار عملية تشريعية وقانونية تتم على مرحلتين؛ المرحلة الأولى تجري داخل مجلس النواب، حيث يقوم المجلس بإجراء تحقيق وبحث اتهام الرئيس بارتكاب ما يستوجب الإقالة من المنصب، وحدد الدستور الأفعال التي تستوجب الإقالة بثلاثة تشمل (الخيانة، وتلقي الرشوة، وارتكاب جرائم أو مخالفة سلوك من النوع الذي يمثل خطورة).
وعقب إجراء التحقيق يتم التصويت على إدانة الرئيس، وتتطلب هذه الإدانة موافقة أغلبية بسيطة من أعضاء مجلس النواب على الاتهام ليصبح نافذا كما أسلفنا، ويتم بعد ذلك الانتقال للمرحلة الثانية، وتجري داخل مجلس الشيوخ، وحسب الفقرة الثالثة من المادة الثانية للدستور، الذي ينص على أن "لمجلس الشيوخ وحده سلطة إجراء محاكمة في جميع تهم المسؤولين. وعندما ينعقد مجلس الشيوخ لذلك الغرض، يقسم جميع أعضائه باليمين أو بالإقرار. وعندما تتم محاكمة رئيس الولايات المتحدة، يرأس رئيس القضاة الجلسات، ولا يجوز إدانة أي شخص بدون موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين".
ويتضمن الجزء الخاص بمجلس الشيوخ في عملية العزل محاكمة يكون فيها النواب مدعين عامين بينما يكون مجلس الشيوخ أعضاء بهيئة المحلفين. ويجب أن يصوت ثلثاهم بالإدانة، وبالقيام ببعض الحسابات فيجب أن يكون عددهم 67 سناتور على أقل تقدير، وبالتقسيم الحالي للحزب، فهذا يعني أن على 20 سناتور جمهوريًا أن يصوت لإدانة ترامب، على افتراض بأن كل الديمقراطيين سيصوتون لصالح ذلك أيضًا.
ويضم مجلس النواب 235 نائبًا ديمقراطيًا و199 نائبًا من الحزب الجمهوري وعضوًا واحدًا مستقلًا، ونتيجة لذلك يمكن للديمقراطيين أن يوجهوا الاتهام للرئيس دون تأييد من الجمهوريين. أما مجلس الشيوخ فيحتل الجمهوريون 53 مقعدًا من مقاعده والديمقراطيون 45 مقعدًا بالإضافة إلى عضوين مستقلين يصوتان في العادة مع الديمقراطيين. ومن الممكن أن تصوت الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ على الفور بإسقاط التهم الموجهة لترامب دون النظر في الأدلة.
آفاق وتوقعات محتملة
تشير الحالات السابقة التي واجهها بعض الرؤساء الأمريكيين من إجراءات العزل والمساءلة إلى أن المستقبل السياسي لترامب يمكن أن يأخذ أحد الحالات التالية.
أولًا: أن ينتهي صراع الجمهوريين والديمقراطيين إلى فشل عملية إجراءات العزل، لعدم اكتمال النسبة المقررة من التصويت سواء داخل الحزب الديمقراطي والتي تتطلب ثلثي أعضاء مجلس النواب أو إحجام الجمهوريين عن بلوغ نسبتهم المقررة للعزل وهي 67 سناتور، وفي هذه الحالة يتساوى ترامب مع حالة الرئيس أندرو جونسون عام 1868.
ثانيًا: بالنظر إلى سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب، فمن المتوقع أن يصوت المجلس بالموافقة على تقديم لائحة اتهام لعزل ترامب، لتنتقل الإجراءات إلى مجلس الشيوخ الذي قد يرفض الموافقة على لائحة الاتهام أو لا تحصل اللائحة على تصويت 67 سيناتور، نظرا لسيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ وفي هذه الحالة يكرر ترامب سيناريو عزل الرئيس الأسبق كلينتون.
ثالثًا: أنه يمكن لنائب الرئيس أن يلجأ إلى استخدام التعديل الخامس والعشرين في الدستور الأمريكي لأسباب مثلًا لإصابات الطبية المعوقة والحالات النفسية، إذ ينص التعديل على "عندما يشعر نائب الرئيس وأغلبية أعضاء الإدارة أو بعض قيادات مجلسي الشيوخ والنواب بعجز الرئيس، يتم توجيه رسالة كتابية إلى رئيس مجلس النواب والقائم بأعمال مجلس الشيوخ، تقول إن الرئيس غير قادر على أداء مهامه بصفته رئيسًا، ويتولى نائب الرئيس الرئاسة بصفته رئيسًا مؤقتًا". وهذا الخيار مستبعد أيضًا لصلة العلاقات القوية بين ترامب ونائبه.