الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

انتفاضة العراق


منذ سقوط حكم الرئيس العراقي السابق، صدام حسين عام 2003، لم يعرف العراق يومًا من الاستقرار أو الهناء أو الانتباه لشؤونه الداخلية. فسقوط صدام كان المدخل الواسع لدخول أجهزة ودول واستخبارات وقوى عربية وغربية إلى العراق. ليس فقط بغرض التحكم في مجريات الأمور في هذا البلد العربي المهم ولكن لتصفية الحسابات، فالعراق ولسنوات طويلة أثناء حكم صدام حسين وقبل "خطيئته الكبرى" في غزو الكويت، كان هو صمام الأمان ضد الغزو الفارسي، والقوة العسكرية الضخمة التي يحسب حسابها أمام اسرائيل. وكان بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، حجرا أصم خلال حكم صدام الذي امتد ثلاثة عقود.

في هذه السنوات، عرف العراقيون معاني الرخاء والنمو وصنوف الاستبداد أيضا. لكن ميزة "صدام" الحقيقية أنه حكم شعبا غاضبا طول الوقت، وعرف مطالب أفراده واستطاع أن يقف امام تحديات كثيرة.

وعندما حدث مع حدث، وسقطت بغداد كان من الطبيعي أن كل من كرهوا العراق سارعوا لاحتلال جزء فيه. إن لم يكن من خلال التواجد على الأرض بقوات وجيوش وعناصر، فيكون من خلال رجال وقوى سياسية ومرتزقة كانوا ولا يزالون ينطقون بمصالحهم داخل العراق.

وإيران كانت الأولى، التي عبرت الحدود وفرحت بشدة لزوال حكم صدام حسين، الذي اذاقها الذل في حرب الثماني سنوات 1980-1988 وكان يمنعها من الخروج من " قم وطهران" والتمدد غربا. ولذلك سارعت باستباحة الحدود العراقية الإيرانية.

ومن خلال عناصر وسياسيين وعملاء، أصبحت طهران هى الحاكم الفعلي للعراق وهى التي تتحكم في مصائر حكوماته والعراقيون جميعا يعرفون ذلك تماما، لدرجة ان تحقيقا ضخما نشر في "نيويورك تايمز" قبل عامين قالت فيه إن كل شىء في العراق أصبح إيرانيا بدءا من حليب الأطفال ومروا بالساحات ووصولا الى الرجال والسياسيين القابعين في "دولاب الدولة" العراقية او في أحزابها وتياراتها السياسية.

وكما فعلت إيران فعلت إسرائيل، التي سخرت الكثير من الجواسيس والمرتزقة والعملاء من إعلاميي العراق ووجوهه في الخارج للدفاع عنها وتبييض وجهها داخل العراق، والتجسس على كل كبيرة وصغيرة في العراق.

والهدف "إسرائيليا – أمريكيا – إيرانيا " ألا يظهر صدام حسين جديد أو حكم قوى في العراق.

وعلى هذا المنوال، من تعارك الخونة والعملاء والأجهزة ما بين قاسم سليماني من جهة والموساد الاسرائيلي وأجهزة عربية وتركيا من جهة أخرى، سار العراق في رحلة حزينة انفجر الغطاء عنها منذ أيام قليلة عندما خرج الشعب العراقي الغاضب الى الشوارع يلعن حكومة عادل عبد المهدي، ويطالب بالتغيير التام وبعودة العراق. في مظاهرات عفوية لم يحركها أي تيار سياسي، وسببها المباشر الاطاحة بالقائد العسكري العراقي الوطني عبد الوهاب الساعدي، من منصبه على رأس قوة مكافحة الارهاب استجابة لضغوط الحشد الشعبي- ميليشيات إيران- ونقله الى وزارة الدفاع رغم كل ما قدمه من انجازات في ميدان مكافحة الارهاب.

والمطالب التي يرفعها العراقيون تتمثل في العدالة، والقضاء على الفساد الذي التهم نحو 450 مليار دولار من ميزانية العراق، وسدّ أبواب الطائفية. وإغلاق الطرق أمام الجهات الخارجية التي تحكم العراق.

ورأيي أن التغيير الذي ينشده العراقيون في انتفاضتهم – وقد يغضب هذا البعض- لا يزال بعيد المنال. لأن الدولة في العراق تفتتت، ولم تعد السيطرة عليها لزعيم عراقي حقيقي بل لسياسيين يوجههم الخارج بكل صفاقة ويعلنون ذلك.

وهنا أرى أن الانتفاضة العراقية الحالية وضمن مسار التغيير والحراك العربي الشامل، لا يزال امامها الكثير لتحقيق أهدافها، لكن وللحفاظ على ما تبقى من العراق، فلابد لحكومة عادل عبد المهدي أن تتحرك في نطاق الاستجابات السياسية والتجاوب مع مطالب الشارع قدر استطاعتها، لكن التعامل الأمني فقط معها وبالرصاص الحي والعنف الشديد الى حد سقوط 16 عراقيا سيدفع بهذه الموجة للعنف الدموي، وللأسف العراق جاهز تمامًا بكم الأسلحة والفصائل والميليشيات العسكرية القابعة على أرضه.


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط