الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مونيكا وليم تكتب : سوريا .. ساحة قلب موازين قوى

مونيكا وليم تكتب
مونيكا وليم تكتب :سوريا ..... ساحة قلب موازين قوى

استمرارا للاختراق التركي للأعراف والقوانين الدولية، قامت السلطات التركية بقصف شمال شرق سوريا وقد أثار الامر ردود فعل دولية وعربية تباينت في شدتها ما بين قوي دولية واخري إقليمية.. إلا أن الاسباب الدافعة لهذا الغزو العسكري متباينة ما بين اسباب معلنة وأخري كامنة بحيث تتمثل الاسباب المعلنة في خلق منطقة آمنة بعمق 32 كيلومترا، وتمتد لمسافة 480 كيلومترا على طول الجانب السوري من الحدود بين البلدين إضافة الي رغبة تركيا فى طرد وحدات حماية الشعب الكردية، إذ تعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض صراعا مسلحًا ضد الحكومة التركية من اجل الحكم الذاتي للأكراد منعًا لتقدم القوات الكردية وسيطرتها على المدينة إلى جانب إعلانها عودة توطين نحو مليوني لاجئ سوري تستضيفهم على أراضيها.

أما الأسباب الكامنة تتمثل في رغبتها في توسيع وجودها ونفوذها لإحياء المشروع العثماني, إضافة إلى رغبتها في إلهاء الرأي العام التركي عن الأوضاع الاقتصادية الداخلية والخسائر السياسية التي يواجهها اردوغان حاليا في ظل فقد حزبه للسيطرة علي إسطنبول، وربما يتعلق الأمر بفشلها في الانضمام للاتحاد الأوربي. كما ان هذا الغزو يعزز من دعمها لداعش حيث إن هذا القصف يفتح الباب أمام فرار الآلاف من أعضاء التنظيم المتطرف الذين كانت تحتجزهم القوات الكردية مع إمكانية عودتهم إلى الأراضي التي تسيطر قوات سوريا الديمقراطية عليها.

خاصة في ضوء قدرة الأكراد السوريين خلال السنوات الأخيرة على الاستفادة من حالات الصراع التي شهدتها سوريا، فقد تمكنوا في عام 2016 من إنشاء (الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا)، التي تحول اسمها لاحقًا إلى (الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا)، في المنطقة التي يحكمونها منذ 2012.

وحظي الأكراد السوريون باهتمامٍ ودعمٍ من القوى الدولية، خاصة الغربية منها، خلال السنوات الماضية التي أعقبت اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد منذ 2011، وتصاعد نفوذ تنظيم داعش المسلح، تحت لافتة التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، مستفيدين من مظلة القواعد العسكرية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا التي أقيمت في المناطق المحادة للحدود التركية والعراقية.

وبالرجوع خطوة إلي الخلف لقراءة المشهد السوري والذي وصل إلى "حنق استراتيجي" فقد تسعى جميع الدول الفاعلة إلي الوصول إلي تسوية ولكن مع مراعاة المصالح الخاصة بكل منهم في سوريا ، فقد تحولت الثورة على نظام إلى أزمة إقليمية تتقاذفها الدول المحيطة بسوريا ومن ثم إلى أزمة على المستوى الدولي يتنافس فيها كل من روسيا التي اصبح لها نفوذ سياسي قوي متحكم بالقرار الرسمي التابع للنظام السوري، والطرف الأمريكي الذي تتجلي به المفارقات السياسية نتيجة انتهاجها سياسة انكفاء خاصة بعد تدخلها المباشر في العراق وافغانستان مما دفعها جعلها تعمل عن طريق وكلاء يقومون بتحقيق اهدافها الاستراتيجة بالنيابة ويمثل هذا الوكيل في هذه الحرب تركيا حيث ارتكز رد فعلها ازاء القصف العسكري التركي لسوريا بالضغط خلال العقوبات الاقتصادية تزامنا مع تراجع الاقتصاد التركي والذي يعاني من ارتفاع معدل البطالة والمديونية وانخفاض سعر العملة.

أما الموقف الروسي فإن التراجع الأمريكي قد أفسح لها المجال لفرض نفسها في المجتمع الدولي، وزيادة قدرتها على التحكم الجيوسياسي بمنطقة الهلال الخصيب، بما يحدّ من قدرة الغرب على المناورة الاستراتيجية وهو الامر الذي يفسر الوجود العسكري الروسي شرق المتوسط، إضافة إلي استخدام روسيا للازمة السورية بوصفها ورقة تفاوضية في علاقتها مع الغرب والولايات المتحدة بخصوص ملفات إشكالية، كالعقوبات الاقتصادية، وأوكرانيا.

كما انها تسعي لتوظيف الجغرافيا السورية للتأثير في معادلات الطاقة إقليميًّا وعالميًّا، بما يضعف محاولات استهداف قطاع الطاقة الحيوي للاقتصاد الروسي، إضافةً إلى تعزيز صادراتها من السلاح انطلاقًا من البوابة السورية.

وفي الوقت ذاته تتناحر الدول الإقليمية التابعة لكل من روسيا وأمريكا ساعية لحماية أمنها القومي أو تحقيق مصالح لها في سوريا؛ تتمثل في السعودية التي تقف ضد بشار الأسد وتدعم الثوار وتقدمهم وذلك لمنع إيران من مد نفوذها إلى سوريا من جهة ولمحاربة داعش الذي يهددها من جهة أخرى.

ولنتلمس ملامح الاستراتيجية الأقرب للتحقق في سوريا على المدى القريب، مع الاخذ في الاعتبار التغيرات الدولية والمعطيات السياسية والتي تجعلنا نستنج ما يلي:

بالنسبة للدول ذات النفوذ العالمي فإن التنسيق الأمريكي الروسي في هذا الشأن قد يتوقع له الاستمرار خاصة في ظل انشغال الولايات المتحدة الامريكية بخوض مرحلة انتخابات رئاسية، وهذا يعزز من تبني سياسة عدم الانخراط في أي مسار من شأنه تغيير سياستها الخارجية خلال هذه الفترة من جهة ورغبتها في إغراق روسيا في الساحة السورية من جهة أخري.

لذلك من المتوقع استمرار روسيا في التدخل في سوريا، وتستنتج أن معالم الاستراتيجية المقبلة ستكون فيه روسيا المحرك الأبرز في الديناميكيات، وسيتجلى ذلك في ازدياد نفوذها في سوريا والعمل على استحداث خطط للحكم تضمن بقاء نظام حليف لموسكو في سوريا، إضافة إلى التقارب الروسي السعودي في ظل أنها تقوم في الوقت نفسه بتأسيس موطئ قدم استراتيجي في المنطقة.

الخلاصة: ان سوريا تحولت لساحة مؤجرة بين القوي الدولية لتحقيق اهداف وابعاد استراتيجية تساعدها في تحقيق مطامعها وان الازمة السورية بوضعها المتشعب بين أطراف دولية وإقليمية عدة يجعل الازمة السورية تتفاقم ويصعب معها الوصول لحل سياسي لذلك لابد من الاصطفاف العربي لحل الازمة ضد العدوان التركي بما يهز الاقتصاد التركي وذلك علي غرار بعض الدول الأوروبية والتي اتخذت قرارات متعلقة بوقف تصدير الأسلحة إلي تركيا.

-