الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مونيكا وليم تكتب: أفريقيا .. نقطة الحسم (2)

الباحثة مونيكا وليم
الباحثة مونيكا وليم

روسيا شريكٌ واعدٌ 
تعيد روسيا ترتيب أولوياتها وتعظيم نفوذها الدولي والإقليمي داخل النظام العالمي، خاصة في ظل السياسة الانعزالية التي تنتهجها الولايات المتحدة الامريكية إلي جانب الفوضى التي يمر بها النظام الدولي والتطورات الإقليميّة في القرن الإفريقي والشرق الأوسط الأمر الذي ينبئ ببروز ملامح نظام دولي جديديفرض قواعده السياسية والاقتصادية بحيث تسعي خلاله روسيا لتعظيم فرص تعزيز نفوذها ولاسيّما في المناطق الحيوية لملء الفراغ، وهذا يزيد من احتمال تحوّل أفريقيا إلى ميدان للصراع بين الطرفين؛ وتعد أفريقيا أبرز مرتكزات استراتيجية تحرك السياسة الخارجية الروسية بحيث تقوم العلاقات الروسية الأفريقية على مبدأ المصالح المشتركة والندية مما جعلها تتميز عن العلاقات الغربية مع القارة الأفريقية.
وفى هذا الإطار تتجلي أهمية عقد قمة روسية افريقية في سوتشي وسط ترقب دولي وإقليمي برئاسة مشتركة بين روسيا ومصر في ظل رئاستها للاتحاد الافريقي، فهذه القمة بلا شك لديها تأصيلات و تداعيات سياسية تبرهن علي تصاعد الدور الدولي الروسي على نطاق واسع يعكس المتغيرات الجديدة على الصعيد الأفريقي، والذي تؤثر على طبيعة النفوذ الغربي بشكل عام، والأميركي خصوصا، فيما يتعلق بتحالفات المصالح الاقتصادية، في توقيت تسعى فيه القارة إلىاستثمار قدراتها البشرية ومولردها الطبيعية لتحقيق معدلا تنموية .

والمؤكد ان روسيا لم تبدأ علاقتها مع أفريقيا من الصفر، ولكنها تستفيد من تاريخ علاقات الاتحاد السوفييتي السابق بدول القارة،لذلك اتخذت روسيا عدة خطوات من شأنها تأطير روسيا للعلاقات مع أفريقيا، وذلك لتحقيق التقارب الروسي - الإفريقي فقد اطلقت روسيا وثيقة السياسة الخارجيَّة للاتحاد الروسي، التي وقَّعها الرئيس بوتين في 2016، والتي تنص علي ان روسيا ستتوسَّع في علاقاتها مع دول قارَّة أفريقيا سواء على المستوى الثنائي، أو المستوى الجماعي؛ وذلك من خلال تحسين الحوار السياسي، وتكثيف التعاون الشامل علي كافة الأصعدة بما يخدم المصالح المشتركة، فضلًا عن الإسهام في تسوية الصراعات والأزمات الإقليميَّة، كما أن تعزيز علاقات الشراكة مع الاتحاد الأفريقي هو بمثابة عنصر مهمّ في السياسة الروسية إزاء القارة الافريقية.

كما أطلقت روسيا في عام 2015 المنتدى الروسيّ الأفريقي والذي يهدف إلى تأسيس علاقات نحو الاستفادة من مواردها الأولية عبر التصنيع، وهو الأمر الذي غفلت عنه القوي الغربية اثناء تعاونها مع القارة حيث اكتفت بنزح الثروات الأفريقية، سواء باستعمارمباشر، او بآلية الشركات متعددة الجنسيات ، كما تسعى روسيا إلى التفاعل مع القضايا الأفريقية على الصعيد الدولي، ومنها الدعوة الأفريقية إلى إصلاح الأمم المتحدة، وأحقية حصول القارة الافريقية على مقعد أفريقي في مجلس الأمن الدولي، لكي تُعزّز من وجودها.

وقد تنوعت نقاط ارتكاز التوجه الروسي نحو القارة الافريقية بحيث تنطلق العلاقة مع مصر في اطار علاقة اقتصادية فقد تنظر روسيا لمصر علي انهاالبوابة الحقيقية لتمدد نفوذها نحو أفريقيا جنوب الصحراء، وبخاصة نحو السودان، وذلك للحصول على صفقات التنقيب عن المواد الخام والثروات الطبيعية. كما تعد مصر في مقدمة الدول التي تهتم بها روسيا في منطقة شمال أفريقيا، فقد عملت موسكو على دعم علاقتها مع مصر من خلال إبرام عقود وصفقات أسلحة، وتنفيذ إنشاء مفاعل الضبعة النووي، ودعم العلاقات الثنائية على كافة الاصعدة العسكرية والاقتصادية والثقافية. وهي العلاقات التيي استندت علي تاريخ طويل من التعاون بحيث ساعد الاتحاد السوفييتي مصر في بناء السد العالي، وايضا بناء قاعدتها التصنيعية الكبرى في ستينيات القرن العشرين .
أما فيما يخص دول القرن الأفريقي، فإن مكافحة الإرهاب وتعزيز السلم من أهم المداخل الروسيةلهذه المنطقة، حيث تلعب روسيا دورًا نشطًا في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في أفريقيا، وتشارك قوات روسية في حفظ السلام في دول إريتريا، وإثيوبيا، والسودان، وجنوب السودان، والكونغو الديمقراطية، إضافة إلى كوت ديفوار وليبيريا، والصحراء الغربية إلى جانب سعيها إلى الحصول على الموارد الطبيعة لاستدامة صعودها كقوة عظمي والبحث عن أسواق جديدة لصادراتها، وتأمين طريق انسياب صادراتها، فضلًا‏ عن ضمان أمن الطاقة لها مستقبلًا

تعد الدول المطلة على البحر الأحمر من أهم نقاط ارتكاز السياسيات الروسية في أفريقيا، حيث باب المندب ذو الأهمية الجيوسياسية والحيوية للتجارة الدولية، مما يدفعها إلى الحفاظ على منظومة مجموعة "البريكس" بصفتها قوة اقتصادية صاعدة في الاقتصاد الدولي في مواجهة المنظومة الغربية، ومن ثم يضمن لها استدامة صعودها بوصفها قوة عالمية على المدى البعيد، وكذلك تقوية حلفائها.
وفي السياق ذاته يعد الحصول على الذهب والماس واليورانيوم من أهم الدوافع الرئيسة لروسيا بشأن تغزيز وجودها في أفريقيا الوسطى.

ولتحقيق تلك الاهداف الاستراتيجية الروسية ولتعزيز تواجدها علي الساحة الافريقية فقد استندت روسيا علي ادوات وثقافية و سياسية واقتصادية مثل تخفيض عبء الديون عن قارة أفريقيا؛ حيث ألغت ديونا بقيمة 20 مليار دولار في عام 2012، إضافة إلى 16 مليار دولار تم إسقاطها في عام 2008. كما خفَّضتْ عبء الديون لعدد من دول القرن الأفريقي، مثل إثيوبيا في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، في الوقت الذي قدّمت فيه مساعدات إنسانية لبلدان المنطقة، مثل إثيوبيا والصومال، بما يشكل تطورًا إيجابيًا في مسار العلاقات الروسية مع هذه الدول.

والآلية السياسة متمثلة فى لعب دور الوساطة على مستوى الأزمات الأفريقية، فربما يكون هناك دور روسي في أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، كما انه ربماهناك دعم روسي لاتفاق سلام جنوب السودان، الذي ما يزال يواجه تحديات كبيرة، خصوصا مع عدم تنفيذ متطلباته الخاصة بترسيم حدود ولايات جنوب السودان على نحو يلبي مصالح الطرفين المتصارعين بشكل متوازن، وكذلك الاتفاق على معطيات إدماج القوات المتحاربة في جيش واحد.

الخلاصة : إن التحرك الروسي في المنطقة لنيرق إلى مستوى سياسة متماسكة وإن كانت هناك معطيات ومؤشرات لنفوذ أكبر لروسيا في المستقبلفالتطورات في خليج عدن يمكن أن تجعل روسيا أكثر حرصًا على التركيز على القرن الإفريقي فضلا عن استغلالهاترك الباب موارِبًا لبروز قِوى جديدة عقب التراجع الأمريكي.