الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مين اللي لعب في ترموستات المصريين..


في عام 1938 قدم لنا الموسيقار محمد عبد الوهاب ثالث أفلامه وهو فيلم (يحيا الحب)، وشاركته البطولة الفنانة "ليلى مراد" في أول ظهور لها على الإطلاق، والفيلم من إخراج "محمد كريم"، وقد تضمن الفيلم مجموعة كبيرة من الأغنيات التي وضع كلماتها الشاعر الكبير "أحمد رامي"، واليوم سأذكر لحضراتكم بعض من كلمات إحدى أغنيات الفيلم وهي أغنية (يا وابور قولي)، وقد صاغ لحنها محمد عبد الوهاب في مقام (الراست) ذو الطابع الشرقي الأصيل، واستخدم لمقدمتها إيقاع (الفوكس) السريع المُعبر عن حركة القطار.

يا وابور قولي رايح على فين ..يا وابور قولي وسافرت منين ..يا وابور قولي
عمال تجري قبلي وبحري ..تنزل وادي تطلع كوبري .. حوِد مره وبعدين دُغري .. ما تقول يا وابور رايح على فين.
إن طال الوقت على الركاب ..يجري كلامهم فى سؤال وجواب ..بعد شوية يبقوا أحباب .. وده يعرف ده رايح على فين.

هكذا كانت طباع المصريين إذا ركبوا القطار وطال عليهم الوقت يبدأ بعضهم (بجر الكلام) مع من حوله من الركاب عن طريق السؤال والجواب حتى يصبحوا أصدقاءً بل وأحبابا في بعض الأحيان، ولا يهدأ أحدهم إلا بعد الاطمئنان عن الآخر ومساعدته حتى يهبط من القطار، وربما تدوم الصداقة لأعواما مديدة لمجرد أنهما التقيا في رحلة طويلة داخل قطار.

ولكن هل هذا هو حال المصريين اليوم؟ إن حادث القطار المؤلم الذي وقع الأسبوع الماضي أكبر دليل على أن المصريين (إتغيروا)، فعلا اتغيروا، وكأن قُوى خفية جاءت في غفلة منا ولعبت في ترموستات الرجولة والجدعنة والشهامة بل وترموستات الرحمة عند المصريين.

في منتصف ليل الإثنين الماضي، ركب شابين "قطار رقم ٩٣٤ الإسكندرية- الأقصر، مرَ القطار كعادته بنطاق "دفرة"، التابعة لمركز طنطا، كانت الأجواء عاديّة، إلى أن مر "كمسري" القطار على الركاب، فوقف أمام اثنين، طلب منهما التذاكر، لم يجدها، فطلب دفع 40ج قيمة التذكرة من الأسكندرية إلى القاهرة مضافا إليها 30ج قيمة الغرامة ليصبح الإجمالي 70ج لكل واحد منهما، لكنهما لم يكُن معهما سوى جنيهات قليلة،فقالا للكمسري بصيغة التوسل: "إحنا معناش فلوس وبنروح اسكندرية نبيع (ميداليات)، ومفيش ولا ميدالية اتباعت النهارده بسبب الأمطار، وراجعين على بيتنا في الشرابية، ولو مش مصدق افتح الشنطتين بتوعنا هتلاقي الميداليات كاملة، مفيش حاجة اتباعت، ممعناش فلوس وعاوزين نروح".

فقام الكمسري بفتح باب القطار من الداخل والقطار يجري، قائلا لهما: "لو مش معاكم فلوس إنزلوا حالا"، وبالفعل وأمام إصرار الكمسري قفز الشابين فأصيب الأول بجروح ومات الثاني تحت عجلات القطار، وكانت آخر جملة نطق بها الثاني: (هو القطر ده مفيهوش رجالة ولا إيه يا جدعان!).

والسؤال هنا إذا كانت الرحمة قد نُزعت من قلب الكمسري، فأين شهامة باقي الركاب، وكيف سكتوا على هذه الواقعة، ما الذي حدث في طباع المصريين، الموضوع يحتاج إلى وقفة حقيقية ودراسة اجتماعية على نطاق واسع تخرج لنا بتفسيرات منطقية، وتُجيب عن سؤال واحد:

مين اللي لِعب في ترموستات المصريين،،، دُمتم برحمة وفن.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط