الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل تشييع المسلم لجنازة مسيحي جائز شرعا ؟.. المفتي يرد

حكم تشييع المسلم
حكم تشييع المسلم لجنازة مسيحي

ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية، عبر موقعها الرسمى يقول صاحبه: « توفي من أهل قريتنا رجل مسيحي، شارك في جنازته عدد كبير من أهلنا في القرية، ومعظمهم مسلمون، وقد خرجت أصوات بعد ذلك تقول إن تشييع المسلم للمسيحي غير جائز شرعًا؛ لذلك نرجو من حضراتكم إعطاءنا فتوى موثقة في حكم حضور المسلم جنازة المسيحي أو غير المسلم».

وأجاب الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، بُعِث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- بحسن الخلق، وأرسله الله - تعالى -رحمةً للعالمين؛ دون تفرقةٍ بين جنسٍ وجنسٍ أو طائفةٍ وأخرى، أو دينٍ ودينٍ، بل كان رحمةً لكلِّ البشر؛ قال –تعالى-: « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، [ سورة الأنبياء: الآية 107]، وقال- سبحانه-: « وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، [ سورة القلم: 4 الآية].

وأوضح المفتى فى إجابته أنه إتباعًا لقيم هذا الدين الحنيف وتعاليمه يجوز للمسلم اتِّباعُ جنازةِ غير المسلم وتشييعها، وهذا من صور المواساة والبرِّ ومكارِم الأخلاق المأمور بها شرعًا؛ فقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم-: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ»، رواه الحاكم في "المستدرك".

واستشهد « علام» بما روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا رَحِيمٌ»، قلنا: كلُّنا رحيمٌ يا رسول الله، قال: «لَيْسَتِ الرَّحْمَةُ أَنْ يَرْحَمَ أَحَدُكُمْ خَاصَّتَهُ؛ حَتَّى يَرْحَمَ الْعَامَّةَ، وَيَتَوَجَّعَ لِلْعَامَّةِ»، رواه عَبدُ بنُ حُمَيدٍ في "مسنده".

واستدل أيضًا بماغ ورد عن أنس بن مالك - رضي الله عنه-، أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَضَعُ اللهُ رَحْمَتَهُ إِلَّا عَلَى رَحِيمٍ»، قلنا: يا رسول الله، فكلُّنا رحيمٌ، قال: «لَيْسَ الَّذِي يَرْحَمُ نَفْسَهُ خَاصَّةً، وَلَكِنِ الَّذِي يَرْحَمُ النَّاسَ عَامَّةً» رواه البيهقي في "شُعَبِ الإيمان".

وأكد أن الإسلام راعى مشاعرَ الإنسان وأحزانَه في حال الوفاة ولو كان على موت حيوان تعلَّق به؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه-، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-: يدخل علينا ولي أخٌ صغيرٌ يُكَنَّى أبا عُمَير وكان له نغر يلعب به، فمات، فدخل عليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- ذات يوم فرآه حزينًا، فقال: «ما شأنُه؟» قالوا: مات نغره، فقال: «يا أبا عُمَيْرٍ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» رواه أبو داود في "السنن"، وأحمد في "المسند"، والبخاري في " الأدب المفرد"، وابن حِبان في "الصحيح".

ونوه أن الأمرُ بحُسنِ معاملةِ أهلِ الكتاب ورحمتِهم يدخل في عموم الأمر بالرَّحمةِ وحُسن الخلق، ويزداد تأكُّدًا بما ورد في حقِّهم ونُصَّ عليه في شأنِهم؛ من وجوب الإحسان إليهم؛ حيث قال –تعالى-: «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ»، [سورة العنكبوت: الآية 46]، وقال- سبحانه-: «لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» [الممتحنة:8 ].

وأفاد بأن من أشملِ صور حسن معاملتهم ورحمتهم: مواساتُهم عند المصائِب، وجبرهم عند الحاجة والضَّعفِ، ومن ذلك: حال المرض، وحال الوفاة، سواء كانوا من الأقارب أم من غير الأقارب.

وأشار إلى أنه كان ذلك فعل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- وصحابته الكرام - رضي الله عنهم-؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه-: «أن غلامًا ليهودٍ كان يخدم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، فمرض فأتاه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -يَعُودُهُ" أخرجه البخاري في "صحيحه"، وروى ابن أبي شيبة في "مصنَّفه": "أن أبا الدرداء - رضي الله عنه -عادَ جارًا له يهوديًّا».

وفى سياق متصل أبان بأن اتباع جنازة غير المسلم جائزة بدليل ما روى عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما-، قال: مرَّ بنا جنازة، فقام لها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقمنا به، فقلنا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي، قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا»، متَّفَقٌ عليه.

وتابع أن سهل بن حنيف، وقيس بن سعد - رضي الله عنهما- قالا: إن النبي - صلى الله عليه وآله- وسلم مرَّت به جنازةٌ فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: «أَلَيْسَتْ نَفْسًا»، متفق عليه.

وواصل أن الصحابة - رضي الله عنهم- شيَّعوا جنازةَ نصرانيَّة؛ هي أم الحارث بن أبي ربيعة - رضي الله عنه-؛ فعن الشَّعبي قال: «ماتت أم الحارث بن أبي ربيعة - رضي الله عنه-، وكانت نصرانيةً، فشيَّعها أصحابُ محمد - صلى الله عليه وآله وسلم-»، أخرجه محمد بن الحسن في "الآثار"، وابن أبي شيبة وعبد الرازق الصنعاني في "مصنفيهما"؛ فقد شيَّعها الصحابة - رضي الله عنهم- ولم تكن قريبةً لهم، وهذا يدل على جواز ذلك لغير الأقارب.

واستكمل " وعن عبد الله بن شريك - رضي الله عنه- قال:« سمعت ابن عمر- رضي الله عنهما-، سئل عن الرجل المسلم يتبع أمَّه النصرانيَّة تَموت؟ قال: يتبعها ويمشي أمامها»، أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنَّفِه".


وأضاف أن الفقهاء من الحنفية والشافعية قد نصَّوا على جواز تشييع جنازة أهل الكتاب واتباعها؛ سواء كان المتوفَّى من الأقارب أو الجيران أو لم يكن كذلك.

وذكر ما قاله العلامة ابن مازة البخاري الحنفي في "المحيط البرهاني" : [وفي "السير الكبير": سأل رجلٌ ابنَ عباسٍ رضي الله عنهما: أن أمي ماتت نصرانيَّةً؟ فقال: اتبع جنازتها واغسِّلها وكفِّنها، ولا تصلي عليها، وادفنها. وإنَّ الحارث بن أبي ربيعة؛ ماتت أمه نصرانيَّة، فتتبع جنازتها في نفرٍ من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين].

واختتم أن المواطَنَةُ تفرِض على المسلم حقوقًا لمواطنِيه؛ منها التَّناصُرُ والتآزُرُ والتَّعاون والمواساة وردُّ التَّحيَّة والنَّصيحة وحسن الخلق والمعاملة بالمعروف، والدِّفاع عنه وعن حرماته وأمواله، وتشييع الجنائز من أعظم ما تحصل به المواساة ويتحقق به البرُّ والرحمة والتخفيف عن أهل المتوفَّى في مصابهم، وذلك من حقوق الإنسان على أخيه الإنسان.