الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وداعا نبيل شورة نهر العلم والفن


"إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أدركت معنى هذا الحديث الشريف منذ بضعة أيام فقط، حين رحل عن عالمنا العالم الجليل والمؤرخ الموسيقي الكبير الأستاذ الدكتور "نبيل شورة" العميد الأسبق لكلية التربية الموسيقية، والذي رحل عن عالمنا يوم السبت 28 ديسمبر 2019، لينتهي هذا العام بألم لا أستطيع وصفه وخسارة كبيرة للفن والعلم في العالم العربي أجمع.

ولن أحدثكم عن علاقتي الشخصية بهذا العالم الجليل الذي كان لي بمثابة أب وقدوة ومَثل أعلى، ليس لي فقط بل كان مثلا أعلى لكل من يعرفه، ولن أحدثكم عن "نبيل شورة" الإنسان الذي امتلك من القيم الإنسانية أجملها وأغلاها (النقاء، الصفاء، العطاء، التسامح، طيبة القلب، وغيرها.....)، فكل واحدة من هذه القيم الإنسانية عند "نبيل شورة" لا يكفي وصفها عشرون مقالا.

ولن أتحدث عن تميزه في فنون الإدارة، والتي أظهر فيها براعة غير مسبوقة حين تولى منصب عميد كلية التربية الموسيقية لمدتين متواصلتين أي ست سنوات كاملة، وست أخرى قبلها في منصب وكيل الكلية لشؤون الدراسات العُليا والبحوث، طوال هذه السنوات وأنا أرافقه لأتعلم منه قدرا وفيرا من فنون الإدارة جعلني أستطيع إدارة حياتي كلها، حيث علمني كيف يتعامل الإنسان مع المشكلات التي تواجهه طيلة حياته.

سأحدثكم فقط عن "نبيل شورة"العالِم الجليل، الذي يُعتبر من أهم أقطاب الموسيقى العربية في الوطن العربي أجمع، فهو أستاذ آلة القانون الذي وضع قواعد وأصول عزف الآلة في العصر الحديث، وهو رائد مدرسة البوليفونية (تعدد التصويت) في عزف آلة القانون، أي عزف لحنين أو أكثر في وقت واحد على الآلة، بالإضافة لوضع هارمونيات لمؤلفات آلة القانون يؤديها العازف بنفسه عن طريق استخدام أكثر من "كُسْتبَان و رِيشة" لليد الواحدة، وهو الرائد الأول لهذا الأسلوب وقد وضع تدريبات من تأليفه استخدم في تدوينها مفتاحي "صول" لليد اليُمنى و"فا" لليد اليسرى كما هو متبع في التدوين لآلة البيانو، وهذا ما لم يفعله أحد قبل نبيل شورة، فضلا عن مؤلفاته الموسيقية التي يتم عزفها في كل المحافل العربية.
"نبيل شورة" بالإضافة لكونه رائد تطوير عزف آلة القانون هو أحد أهم أساتذة الموسيقى العربية بكل فروعها (قواعد الموسيقى العربية، تذوقها، الصولفيج العربي، الموشحات والغناء العربي القديم، تاريخ وأعلام الموسيقى العربية، العروض الموسيقي، المخطوطات العربية القديمة)، وقد أَلَّف نبيل شورة العديد من الكُتب العلمية التي تُغطي كل هذه المجالات، وانتشرت كتبه ومؤلفاته في العالم أجمع، واستفاد منها طلابه في جميع البلدان العربية، حتى أصبح مكتب نبيل شورة في كلية التربية الموسيقية هو أهم المزارات التي يحرص على زيارتها جميع الفنانين العرب وقتما يزورون مصر، "نبيل شورة" أصبح قِبْلَة الفنانين الأكاديميين العرب، يزوره كل من يرغب في الاستزادة من العلم والفن، يأتي إليه كل من يود التعمق في أي فرع من فروع الموسيقى العربية.

أشرف على العديد من الرسائل العلمية سواء الماجستير أو الدكتوراه، وناقش مئات الرسائل في مجال التخصص في جميع محافظات الجمهورية، وقام بتحكيم أبحاث الترقي لدرجة أستاذ وأستاذ مساعد لعشرات الزملاء.

هكذا يموت العلماء واحدا بعد واحد، حتى يُقبض العلم من الأرض، المناصب الإدارية نجد لها من يتولاها، ولكن إذا مات العلماء أصحاب العلم الحقيقي فمن يقوم بدورهم في المجتمع، من يقوم بالفصل في القضايا الموسيقية المعاصرة (وما أكثرها)، مَن يقوم بتعريف شباب الباحثين بتاريخ الموسيقى العربية، مَن يواجه التيارات الموسيقية الفاسدة وينير لنا الطريق غير العلماء، ولكن للأسف هذه سُنَة الحياة.
مات "نبيل شورة"، وافتقد المجال الموسيقي الأكاديمي واحدا من الأساتذة الأجلاء، رَحِم الله العالم الجليل، ولنا الله..... دُمتم بخير وفن.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط