الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مشاهير من بلدي ..الإمام النويري صاحب موسوعة نهاية الأرب في فنون الأدب

صدى البلد

الإمام النويري هو الإمام و المؤرخ الكبير شهاب الدين أحمد بن عبد الوهّاب بن محمد النويري، ولد سنة 677 هـ ولقب بالنويري نسبة إلى قرية النويرة ، التابعة لمركز إهناسيا غرب محافظة بني سويف.

اقرأ ايضا:

أكبر وأضخم مبنى في ملوي.. حكاية قصر عبد المجيد باشا بالمنيا 

أول من استقبل الفتح عام 50 هجرية ... حكاية قرية القصر الإسلامية بالوادي الجديد 

مشاهير من بلدي ..الإمام النويري صاحب موسوعة نهاية الأرب في فنون الأدب

وقفوا مع المصريين ضد إسرائيل.. حكاية الخواجة متري والبحارة اليونانيين في طور سيناء

ودرس في القاهرة وأزهرها، وتخصص نوعًا ما في دراسة الحديث والسير والتاريخ، فهو عالم وباحث غزير الاطلاع، كان ذكي الفطرة، حسن الشكل، فيه أريحية وود لأصحابه.

وكان أبوه كاتبًا مشهورًا يعمل في دواوين الدولة، وتعهده بالرعاية والتعليم في صباه بحفظ القرآن الكريم وتعلم علوم اللغة العربية والفقه، وعني بتعليمه، ودربه على كتابة الإنشاء الديواني، حتى أتقن عمل الدواوين وعرف قوانينها وما يحتاج إليه للانخراط فيها، ووجد في نفسه ميلا لدراسة الحديث والأخبار والأدب، وعكف على دراسة التاريخ والسير على مشاهير علماء مصر وشيوخ الأزهر، واشتغل في مقتبل عمره بنسخ الكتب الجليلة نظرًا لجمال خطه، وكان يكتب النسخة من صحيح البخاري ويبيعها "بألف دينار" ، وذاع صيته لكثرة علمه وفضله وسعة معرفته بعلوم العربية والتاريخ والحديث.

واتصل بالسلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون، ونال حظوته في فترة خلافته الثانية والثالثة، وانتدبه في ديوان الإنشاء، وتولى نظر الديوان بالدقهلية والمرتاحية "محافظة دمياط اليوم غالبا " ، وأسند إليه الحسبة والمقايسات، ولما ظهرت براعته وحسن إدارته في عمله باشر جيش طرابلس لفترة ، مما كان له كبير الأثر في توسيع مداركه ومعارفه. وقال عنه الأدفوي صاحب “الطالع السعيد” إنه كان ذكي الفطرة، حسن الشكل، وفيه مكرمة وأريحية وود لأصحابه، وله نظم يسير، ونثر جيد.

مواصلة الدراسة
وتطلع النويري إلى مواصلة الدراسة والمطالعة والتصنيف بعد أن ضاق ذرعًا من وشايات المنافسين وتقلب الحكام وتعرضه للأذى ومصادرة أمواله وأملاكه أكثر من مرة، فزهد في تقلد المناصب والرياسات الإدارية والمالية، وآتته فكرة تأليف كتاب ضخم ائتناسًا به، ثم أفاد منه غيره، وعكف على المراجع والمخطوطات، وراح يضع المسودات ويدون المعلومات، واستمر في الكتابة حتى انتهى من الجزء الأول منها ، وقال في فاتحة الكتاب: " كنت ممن عدل في مباديه، عن الإلمام بناديه، وجعل صناعة الكتابة فنه الذي يستظل بوارفه، وفنه الذي جمع له فيه بين تليده وطارفه، فعرفت جليلها وكشفت خفيها وبسطت الخرائد ونظمت منها الارتفاع وكنت فيها كموقد نار على يفاع، واسترفعت القوانين ووضعت الموازين وعاينت المقترحات واعتمدت على المقايسات وفذلكت على الأصل وما أضيف إليه، وحررت ما بعد الفذلكة فكان العمل على ما استقرت الجملة عليه".

ويعد كتاب “نهاية الأرب في فنون الأدب” الذي استغرق في تدوينه عشرين عامًا، موسوعة ضخمة تجمع بين الأدب والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد والاجتماع، والعلوم الدينية، ونظم الحكم، والتراجم والفنون والعلوم التي لم يجمعها من قبل ولا من بعد كتاب في مجاله، وذكره أصحاب كتب التاريخ والتراجم باسم تاريخ النويري، وتميز أسلوبه بالبساطة والوضوح والبعد عن التعقيد، والإغراق في التخصص العلمي والمصطلحات التي لا يعرفها إلا أهل العلم.

ويكفي شهاب الدين النويري فخرًا أنه مصنف «نهاية الأرب في فنون الأدب»، وهو كتاب كبير جدًا، وهو أشبه بدائرة معارف لما وصل إليه العلم عند العرب في عصره، وكما قال عنه المؤرخ الروسي فازيليف: “إن «نهاية الأَرَب» على الرغم من تأخر عصره، يحوي أخبارًا خطيرة عن صَقِلِّيَّة، نقلها عن مؤرخين قدماء، لم تصل إلينا كتبهم؛ مثل ابن الرقيق، وابن رشيق، وابن شداد، وغيرهم”.
كتاب شهاب الدين النويري “نهاية الأرب في فنون الأدب”.

وتشمل هذه الموسوعة واحدًا وثلاثين مجلدًا ضخمًا، كل مجلد يشغل جزأين، وقد قسم الموسوعة إلى خمسة فنون، خصص الفنون الأربعة الأولى لدراسة السماء والأرض والإنسان والحيوان والنبات، وخصص الفن الخامس للتاريخ وفيه برزت براعة شهاب الدين النويري التاريخية وقدرته على الرصد والتحليل والتأريخ، والمطَّلع يجد أن التاريخ هو قوام هذه الموسوعة.

وهو الآن موضوع كتاب صادر عن مطبعة جامعة أميركية من أكثر المطابع الأكاديمية نيلًا للاحترام. الكتاب هو «العالم في كتاب النويري والموروث الموسوعي الإسلامي» من تأليف إلياس مهنا "مطبعة جامعة برنستون، 232 صفحة".

التاريخ يمثل لب كتاب تاريخ النويري

فاالمادة التاريخية هي لب الكتاب وعموده، وتشغل واحدًا وعشرين مجلدًا، سرد فيه تاريخ الإنسانية بدءًا من أبي البشر آدم عليه السلام، مرورًا بالأنبياء، حتى سيد الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، ومراحل التاريخ الإسلامي المتعددة، ويشغل تاريخ مصر أربعة مجلدات من تاريخ الدولة الفاطمية فالأيوبية ثم تاريخ الشام والصليبيين، ثم تاريخ الدولة المملوكية حتى وفاته، كما بذل عنايته بتدوين كل ما يتعلق بتاريخ الدواوين في الدولة الإسلامية، وساهمت جهود شهاب الدين النويري في صنعة الديوان في الارتقاء بهذا العلم؛ ولذلك اعَتَمَدَ على كتاباته من جاء بعده؛ مثل ابن فضل الله العمري في كتابه الجامع «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار»، والقَلْقَشَنْدي في كتابه الموسوعي «صبح الأعشى في صناعة الإنشا».

والانطباع الذي يخرج به قارئ الكتاب هو أن الثقافة العربية الإسلامية كان لها فضل السبق في الربط بين أنساق معرفية مختلفة ومحاولة صهرها في بنية ثقافية متكاملة، وذلك قبل أن يتجه كُتَّاب الغرب ودارسوه في عصر النهضة الأوروبية إلى مثل هذه الأعمال الموسوعية التي تحاول أن تجمع شتات معارف متفرقة؛ لذا اعتنى الغربيون بهذا الكتاب وحرصوا على ترجمته للغات الأوروبية.

كما اعتمد على كتابات النويري من جاء بعده مثل ابن فضل الله العمري في كتابه الجامع “مسالك الأبصار في ممالك الأمصار”، والقلقشندي في كتابه الموسوعي “صبح الأعشى في صناعة الإنشا”.

وتوفي الإمام شهاب الدين النويري رحمه الله عليه بالقاهرة في سنة 733 هـ. بعد أن أثري الحياة السياسية والفكرية والثقافية بموسوعته الباقية.