الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قمة إفريقيا - بريطانيا للاستثمار.. القاهرة تتبنى استراتيجية نقل خبراتها إلى القارة السمراء

صدى البلد

جاءت مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي في قمة إفريقيا - بريطانيا للاستثمار، لتعزيز الاستراتيجية المصرية الرامية إلى نقل الخبرة المصرية في التعاون مع الجانب البريطاني إلى القارة السمراء، في إطار مجموعة من السياقات الاستراتيجية الدولية التي تحاول اقتناص الفرص الكامنة في ارتفاع تنافسية الأسواق الأفريقية مقابل نظيرتها العالمية، نتيجة انخفاض كلفتها الاقتصادية، على الرغم من المخاطر المرتفعة التي لازالت تلقي بظلالها على تلك الأسواق نتيجة الصراعات العرقية والإثنية في دول القارة السمراء.

في هذا السياق، نشر المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تقريرا تناول فيه محددات التحركات المصرية والبريطانية تجاه القارة الإفريقية ومدى ارتباطها في بالانفتاح الافريقي على الشركاء الدوليين بما يحقق أهداف التنمية الإفريقية 2063. 
تناول التقرير مستقبل الوجود البريطاني في أفريقيا وقال إنه على الرغم من أن الوقت الراهن يعد بمثابة لحظة سانحة لشركاء التنمية لتعزيز التعاون مع القارة، مع انفتاحها على الشركاء الدوليين وتطلعها إلى تحقيق التنمية، وذلك من أجل المضي قدمًا في تحقيق أفضل استثمار ممكن للموارد المادية والبشرية، بما يحقق أهداف التنمية الإفريقية 2063. ويأتي ذلك في ظل مشكلات التجارة الدولية، والقيود التي تشهدها الأسواق العالمية، وانكماش حجم الاستثمارات العالمية، إلا أن الأسواق الإفريقية ترتفع تنافسيتها من بين الأسواق العالمية، نظرًا لانخفاض تكلفة اختراقها عمّا سواها من الأسواق، وإن كانت تكلفة المخاطر ما زالت مرتفعة في ظل الصراعات التي تشهدها الدول الإفريقية، إلا أن الأسواق الإفريقية لا زالت أعلى جاذبية من غيرها الآن، وهو ما يفسر حالة التدافع الدولي على القارة مؤخرًا من أجل تعزيز التعاون الاقتصادي وزيادة حجم الاستثمارات بها، بما يحقق تنمية متكافئة للطرفين، ويأتي التوجه البريطاني نحو القارة، والذي تم تكليله بعقد هذه القمة الاستثمارية في سياق قمم عدة عقدها شركاء القارة الدوليين على مدار العام الماضي، في ظل الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقي، والتي تبنت رؤية تهدف من خلالها إلى تعزيز مبدأ الملكية الوطنية للتنمية، وتعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي، وهي الأهداف التي ترمي القارة إلى تحقيقها عبر مسارات عدة، من بينها جلب الاستثمارات وتدفق رؤوس الأموال بما يخدم أجندة التنمية الإفريقية 2063، وأهداف التنمية الوطنية، ونقل الخبرة المصرية في التعاون مع الجانب البريطاني إلى دول القارة الإفريقية، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية المصري “سامح شكري” خلال لقائه مع نظيره البريطاني، بتطلع مصر إلى تعزيز آفاق التعاون الثلاثي ” المصري – البريطاني- الإفريقي”  وعليه فإن التوجه البريطاني نحو القارة يواجهه عددة تحديات، من بينها 

التنافس محموم

وأشار المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إلى أن العودة البريطانية لاستعادة نفوذها التقليدي في القارة تزامنت مع تنافس العديد من القوى والدول من أجل نيل هذا النفوذ، وهو ما يفرض على هذه الدول المزيد من القيود، مع زيادة الميزة التنافسية لدول القارة، التي تمتلك المفاضلة لاختيار أفضل الشركاء. وعلى الرغم من ذلك، فإن الدول الإفريقية التي اتجهت نحو تعزيز الروابط مع الجانب الصيني، تفاديًا المشروطة السياسية للدول الغربية، وجدت نفسها مؤخرًا واقعة في فخ الديون الصينية، وهو ما قد يدفع بالتوجه نحو بديل آخر غير هذين الطرفين يمكنه موازنة تلك المعادلة من أجل تحقيق نمو وتعاون متوازن بين الطرفين.

وتابع أن هذا السياق الاستراتيجي الحالي يتيح مجالًا لأطراف أخرى لتعزيز علاقتها الإفريقة، على غرار بريطانيا وروسيا، وغيرهما من الدول الأخرى، إلا أنه في الوقت ذاته يزيد من التزاحم على القارة، بما يرفع من تكلفة هذا التعاون. فروسيا على سبيل المثال، قامت هي الأخرى بعقد أول قمة روسية إفريقية في أكتوبر الماضي بمدينة سوتشي، من أجل رفع مستوى التعاون الاقتصادي مع القارة، في ظل تواجدها العسكري بآليات وأدوات متعددة في أنحاء مختلفة من القارة، بل إنه هناك مؤشرات قد تدفع إلى صعود الدور الروسي في مقابل الدور الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب؛ إذ طالب مواطني دولة مالي، في مظاهرات مناوئة للوجود الفرنسي في مالي بضرورة تدخل روسيا بدلًا من فرنسا، وربما يتيح هذا مجالًا للدور البريطاني المشارك بالفعل في القوى التي شكلتها فرنسا من أجل ضبط الدور الفرنسي في هذا المجال، الذي زادت التحفظات بشأنه، فضلًا عن تخفيض حجم التواجد الأمريكي العسكري في المنطقة.

تكلفة العودة

على خلفية التنافس على المكانة والدور الذي تواجهه بريطانيا في القارة الإفريقية، ترتفع تكلفة تلك العودة، إذ أن عليها تقديم أفضل البدائل للشركاء الأفارقة على نحو يجعلها شريك موثوق فيه وأكثر جاذبية من نظرائها. وفي هذا الصدد، يتعين على الجانب البريطاني تقديم الخبرة التي تمتلكها وأفضل الممارسات في كافة المجالات، فالقارة بحاجة إلى شركاء من أجل دعم السلام بها، ما يقضي بضرورة رفع بريطانيا نسبة مشاركتها في عمليات حفظ وبناء السلام، فضلًا عن تقديم الدعم في المجالات التنموية والاقتصادية، والمشاركة والاستثمار في مجالات البنية التحتية، وغيرها من القطاعات التي تسهم في تمهيد السوق الإفريقية، وهذا في ظل ما قد يعانيه الاقتصاد البريطاني ما بعد البريكست. وأخيرًا، يتعين عليها تقديم تسهيلات في مجال الهجرة للأفارقة، وهو ما تطالب به الدول الإفريقية، وخاصة الدول الانجلوفونية. وعلاوة على ماسبق، الخبرة التاريخية والإرث الاستعماري، الذي ربما يفرض ضغوطًا عليها وعلى صورتها الذهنية لدى الأفارقة، على نحو ما تواجهه فرنسا الآن في مستعمراتها الفرانكفونية السابقة، وذلك على خلاف روسيا والصين المتحررين من تلك الصورة الذهنية السلبية، وهو ما يفرض على بريطانيا لعب دورًا كبيرًا وبذل الجهود في المجالات الثقافية، على غرار المنح الدراسية وغيرها من المجالات التي تعمل على تحسين الصورة الذهنية.

وخلص المركز إلى أنه على الرغم مما قد يعترض طريق التعاون البريطاني الإفريقي، إلا أن الجانبين يملكان فرصًا حقيقة، إذا أحسنا استغلالها، سيحققان عائدًا متوازنًا للجانبين، وبالفعل، لدى بريطانيا والجانب المصري خبرة ومستوى متقدم من التعاون الاقتصادي، تسعى مصر إلى نقل هذه الخبرة على باقي الدول الإفريقية، بما يحقق التنمية الإفريقية المبتغاة،  في إطار ما تستهدفه مصر وهو ” تعزيز آفاق التعاون الثلاثي”، وهي الصيغة التي تحاول مصر تطبيقها مع كافة شركائها الدوليين، كما حدث في روسيا في قمتها السابقة.
 وفي هذا الصدد، على الجانب البريطاني أن يستهدف استثمارًا عادلًا يؤدى إلى نمو متوازن بين الجانبين، بينما يقع العبء الأكبر على إرادة القادة والدول الإفريقية، بما توفره من تسهيلات وقوانين ومناخ جاذب للاستثمار، يعمل لصالح تنمية الدول والشعوب الإفريقية، وليس لتحقيق مصالح وروابط بين الأنظمة الحاكمة في الدول المختلفة وشركائها الدوليين. وهو ما يتعين على إثره تطبيق مبادئ الحكم الرشيد، وسيادة مناخ ديمقراطي يتيح مناخًا يسهم في خلق تنمية حقيقة لكافة شعوب وبلدان القارة.