الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكم القنوت في الصلاة لصرف فيروس كورونا

حكم القنوت في الصلاة
حكم القنوت في الصلاة لصرف فيروس كورونا

أفادت منظمة الصحة العالمية (WHO) على موقعها الرسمي، بأن فيروس الكورونا منذ ظهوره في آخر ديسمبر الماضي في مدينة ووهان الصينية، يُمَثِّلُ بلاءً داهمًا وخطرًا بالغًا؛ سرعان ما انتشر في مدن الصين وغيرها؛ حتى استوجب ذلك إعلان حالة الطوارئ الصحية العالمية.

وأكدت دار الإفتاء المصرية، أن العلماء اتفقوا على مشروعية الدعاء واللجوء إلى الله تعالى عند حلول الوباء، وتواترت الأحاديث بالاستعاذة من وطيس الأمراض وسيئ الأسقام؛ لما في ذلك من الخضوع والتذلل لله تعالى، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: لما قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم وُعِكَ أبو بكر وبلال رضي الله عنهما.. قالت: فجئتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرتُه، فقال: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ» رواه البخاري.

وذكرت أن الدعاء هو من جنس القنوت وأحد معانيه؛ قال العلامة الملا علي القاري الحنفي في "مرقاة المفاتيح" (3/ 958، ط. دار الفكر): [والظاهر: أن المراد بالقنوت هنا الدعاء، وهو أحد معاني القنوت كما في "النهاية" وغيره، وكذا نقل الأبهري عن زين العرب] اهـ.

والمأثور عن السلف الصالح، وهو مذهب جماهير العلماء من الفقهاء والمحدثين: مشروعية القنوت عند النوازل؛ قال الشيخ ابن تيمية الحنبلي في "مجموع الفتاوى" (23/ 108): [القنوت مسنون عند النوازل، وهو قول فقهاء أهل الحديث، وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم] اهـ.

كما اتفق العلماء أيضًا على مشروعية قنوت المسلمين في صلاة الفجر لرفع البلاء وكشف الضُّر عن البلاد والعباد إذا ألمَّت بهم نازلة، غير أنهم اختلفوا في القنوت للنازلة في غير الفجر مِن الصلوات المكتوبة.
فالحنفية: لا يرون مشروعية القنوت في الفجر ابتداءً بلا سبب، فإذا نزلت بالمسلمين نازلةٌ فالقنوت عندهم مشروع في كل الصلوات الجهرية.
والمالكية: يرون الاقتصار في القنوت على صلاة الفجر ومشروعيةَ استدامتِه؛ حيث عللوا استدامة القنوت في الفجر بأنه مشروع لمطلق الحاجة لدرء الشرور وجلب الخيور، لا لخصوص النوازل، وأن حاجة المسلمين للدعاء مستمرة، وهذا يتضمن مشروعية القنوت للنوازل عندهم بطريق الأوْلَى؛ لأن حاجة المسلمين إلى الدعاء في النوازل أشد، بل إنهم نصوا أيضًا على مشروعية الصلاة لدفع الوباء والطاعون، فرأوا في ذلك مزيد تضرع وشدة التجاء، وهذا متضمن لمشروعية الدعاء بدرء البلاء وصرف الوباء في القنوت من باب أولى؛ من جهة أن مشروعية الأشد تقتضي مشروعية الأخف.
والصحيح عند الشافعية: تعميم القنوت في جميع الصلوات المكتوبة، ومثَّلوا النازلة بوباءٍ، أو قحطٍ، أو مطَرٍ يَضُرُّ بالعُمران أو الزرع، أو خوف عدُوٍّ، أو أَسْرِ عالِمٍ، ونحو ذلك:
ونص الحنابلة على مشروعية القنوت في صلاة الفجر إذا نزلت بالمسلمين نازلة:قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 115، ط. مكتبة القاهرة): [فإن نزل بالمسلمين نازلة: فللإمام أن يقنت في صلاة الصبح، نصَّ عليه أحمد، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله سُئل عن القنوت في الفجر؟ فقال: إذا نزل بالمسلمين نازلة، قنت الإمام وأمَّن مَن خلفه] اهـ.
ورجَّح جماعة من العلماء مذهب القائلين باستحباب القنوت في جميع الصلوات المكتوبة إذا نزلت نازلة، ولم يأت ما يخصُّ ذلك بصلاة دون غيرها.

وذكرت أن القنوت لصرف البلاء مشروعٌ دفعًا ورفعًا؛ فكما يُشرَع لرفع البلاء والوباء وكشف الضُّر والقحط عن البلاد والعباد إذا ألمَّت نازلة، يُشرَع كذلك لدفع الضرر الذي يُخشَى حصولُه، وإن لم يتحقق بالداعين نزولُه؛ فيكون جائزًا رفعًا ودفعًا.

ونص الشافعية على مشروعية القنوت في الصلوات المكتوبات لدفع الضرر عن المسلمين أو بعضهم، ولو واحدًا، لكن بشرط تعدي نفعه؛ كالعالم والشجاع، ودفع الخوف من نحو عدو ولو من المسلمين، والقحط، والجراد، والوباء، والطاعون، ونحو ذلك.

كما نص فقهاء الشافعية على أن القنوت لرفع النوازل والبلايا يُسن ولو لغير من نزلت به.
وأوضحت، أن الدعاء بالصحة والعافية ليس مقصورًا على المسلمين وحدهم؛ بل يشرع الدعاء لغير المسلمين أيضًا بالشفاء والصحة والبركة وغير ذلك من منافع الدنيا؛ فإن الإسلام دين سلام ورحمة وأمان للبشرية؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، والبشر كلهم إخوة في الإنسانية؛ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» متفق عليه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

وأكدت أن الدعاء بذلك جائزٌ في الصلاة وخارجها؛ لما تقرر عند جماعة من الفقهاء، فعن إبراهيم النخعي، قال: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: اُدْعُ الله لي، فقال: «كَثَّرَ اللهُ مَالَكَ، وَوَلَدَكَ، وَأَصَحَّ جِسْمَكَ، وَأَطَالَ عُمُرَكَ» رواه ابن أبي شيبة في "المصنف".