الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

النوم في «عز كورونا»!


أكثر ما يثير الإعجاب فى قلم السيناريست الجريء وحيد حامد هو "الخيال المثقف"، بمعنى أنه يبحر فى أفكاره ويوظف مخزونه المعرفى للسباحة فى الفكرة وتغذيتها بالعمق وقراءة الواقع بكل آلامه وقسوته .. وما نعيشه اليوم من رحلة الحظر والحجر الصحى والتباعد الاجتماعى مع مشوار "كورونا" أنعش ذكرياتى مع فيلم "النوم فى العسل" الذى كتبه "حامد" عام ١٩٩٦ وطرح فى رعب فرضية أن تستيقظ من نومك لتجد نفسك محروما من أبسط لحظة تحصل فيها على نشوة مجانية ومتعة خاصة .. اللحظة التى تصاب علاقتك مع شريك الحياة بالبرود العاطفى والتبلد الجنسى وتتحول إلى صفر على الشمال فى دائرة حساباته واهتماماته!.

وانتهت هذه التجربة السينمائية الشجاعة مع الزعيم عادل إمام والمخرج المبدع شريف عرفة بأكبر وأعلى وأطول "آه" خرجت من الصدور والحناجر ضد كل مظاهر القهر والإحباط والانكسار التى زرعها النظام السياسى وأفرزتها التابوهات الاجتماعية المحرمة لتدفع الإنسان إلى الثورة والصراخ والغضب!.

وفى كل مشهد يستدعيه العقل يقف جهاز الإنذار عند آفة الصمت التى تكبل أفواه الناس وتمنعهم من تغيير الحال أو مواجهة الذات، فينتشر الخلل وتتعدد الحالات ويتحول الوضع إلى وباء .. وبعد هذه المرحلة تسود الخرافات ويلجأ المجتمع إلى الوهم والدجل ويقوده الجهل والتخلف .. وفى ثنايا الدراما يخفت صوت الصحافة الكاشفة، ويهمس لسان "العلم" بالحل والطوق النجاة بينما الآذان صماء والعيون تزحف على التخدير وإشباع الحواس بأى مسكنات خادعة .. والملخص أننا أمام جريمة "قتل جماعى" تنتظر النظام الرشيد  .. أو العدالة الإلهية!.

صورة بالكربون من هذا السيناريو الذى بلغ ٢٤ عاما من عمره تحدث بكل تفاصيلها مع فيلم "كورونا" الذى نكتبه بأيدينا من مشاهد ولقطات وحوارات جانبية .. العالم يحتشد لمقاومة المرض وتقصى حقائقه ومصدره بحثا عن العلاج، ونحن فى انشغال مؤسف بكيفية الخروج والتنزه وقضاء أوقات شم النسيم ورحلات الربيع على الشواطئ وفى الحدائق .. وأذهاننا تفكر فى أسلوب ممارسة طقوس شهر رمضان والالتفاف حول الحظر للنزول إلى المقاهى والتجمع العائلى على مائدة الإفطار .. وأحيانا الخلوة مع الحبيب على ضفاف "الكورنيش" للفوز بـ "لمسة اليد" الحارة!.

وإذا ما ظهرت حالة مصابة يتشح اللسان بالصمت خوفا من العزل و"فضيحة" المرض فينتج عن المأساة عشرات الضحايا وتتضاعف الأعداد فى سرية مخيفة وعند ذروة الاكتشاف أسهل شئ فرض الحجر على المناطق السكنية الموبوءة تحسبا للتوسع .. وانتظارا للفرج!
.
سكوت .. واستهتار .. ورفض للتوعية والشفافية .. والدولة وحدها لاتكفى للحماية وتطبيق الصواب .. فالمواطن فى بيته وداخل جدران عمله وفى علاقاته بمن حوله هو عنوان القضية، وبتصرفاته وسلوكياته يستطيع أن يقهر أى فيروس ويمنع أى وباء من الانتشار والانتصار .. والحرمان من اللذة الجنسية فى "النوم فى العسل" وضع الحكومة والشعب معا فى "قفص الاتهام" .. ولكن "النوم مع كورونا" هذه المرة يحمل الرسالة الأكبر لنا جميعا بأن الإنقاذ والعودة إلى الحياة الآمنة الهادئة لن يتحقق إلا بـ "النظافة" و"النظام" فى كل شئ .. ومن كل مكان .. وبفعل أمة تتحرك مع قيادتها وجنودها بنشاط وضمير فى اتجاه العمل والإيمان .. والعلم!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط