الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«البسوا المموه» لـ«نيوتن»: بيخاف منه


"البسوا  المموه بيخافوا منه" ،  تذكرت هذه الجملة الشهيرة ، من  فيلم الممر،  الذي جسد واحدة  من  بطولات رجال القوات المسلحة المصرية ، خلال حرب الاستنزاف على أرض سيناء،  و أنا أطالع مقال "نيوتن " في صحيفة" المصري اليوم" و الذي  طالب فيه ، بحاكم مستقل ، لما أسماه إقليم سيناء . و لم أستطع أن أمنع نفسي من الربط بين  توقيت إنتاج هذا الفيلم،  و مقال نيوتن الذي اشترط  منح سيناء  حكما ذاتيا ، تحت قيادة حاكم مستقل ، عن القيادة  الوطنية  المصرية  ، من أجل  عودة الاستقرار لسيناء ،  و السماح  بانطلاق عملية التنمية الشاملة في ربوعها.


ورغم أن الكثيرين اهتموا بضرورة الكشف عن شخصية كاتب مقال نيوتن،  و هل هو صاحب صحيفة المصري اليوم ، صلاح دياب،   أم الصحفي عبد الناصر سلامة،  أم  الدكتور عبد المنعم سعيد ، أم الكاتب عباس الطرابيلي ،  إلا أن أخطر ما في  رسائل مقال نيوتن في تقديري ، هي أنها كشفت عن هوية من يقف وراء دعم الإرهاب في سيناء،  و من يمنع تدفق رؤوس الأموال الدولية ،  و العربية ، للاستثمار في أهم ممر مائي في العالم ، و واحدة من أهم المواقع الإستراتيجية في العالم، فسيناء ، و قناة السويس،  تربطان  بين ثلاث قارات ، إفريقيا،  و آسيا ، و أوروبا  ، و هي قارات تحتضن نحو  90 في المائة من سكان العالم،  و أكثر من 75 في المائة من الإقتصادي العالمي .


وفي تقديري،  أن ظهور فيلم الممر في هذا التوقيت بالذات ،  استبق بما لا يدع مجالا للشك مضمون مقال نيوتن،  فرسائل نيوتن وصلت بدون أدنى شك للدولة المصرية بطرق   أخرى متعددة ،  سواء كانت   دبلوماسية ، غير دبلوماسية ، و لذلك   حرص الرئيس ، عبد الفتاح السيسي ، على الرد  على هذه الرسائل على  الملأ منذ احتفالات أكتوبر الماضي لكن  بشكل غير مباشر ،  ليقول ، إن تضحيات و بطولات المصريين على أرض سيناء ،  لن تسمح لأي مصري أيا كان أن يتنازل عن  السيادة المصرية  الكاملة على أرض سيناء ،  كما لن تسمح  هذه التضحيات حتى بمجرد قبول شبهة  التمهيد لمخطط  يستهدف إيجاد  وطن بديل للفلسطينيين في سيناء ، حتى لو كان هذا  الثمن ،  تحويل سيناء  لمصدر رزق وفير للمصريين .


ولو حللنا بشكل أكثر دقة توقيت إنتاج فيلم الممر ، سنجد أنه أول فيلم مصري يتحدث عن بطولات القوات المسلحة المصرية ، منذ مجموعة الأفلام التي جسدت إنتصار حرب أكتوبر خلال حكم الزعيم الراحل أنور السادات ، و جميعها أنتج خلال  عامي،  1974 و 1975 ،   بدءا بالرصاصة لا تزال في جيبي،  و حتى آخر العمر،  و أبناء الصمت ، و نهاية بالطريق إلى إيلات ، الذي أنتج من ربع قرن من الزمان خلال حكم حسني مبارك   . و تعد هذه الأفلام   قليلة جدا ، بالقياس بالبطولات التي تحققت،  في وقت  تتطلب كل بطولة منها ، فيلما  مستقلا  بذاته .


وتقديري،  أن اهتمام  الرئيس عبد الفاح  السيسي بإستضافة أبطال فيلم الممر،  في الندوة التثقيفية رقم 31،  التي نظمت في إطار الإحتفالات بالذكرى السادسة و الثلاثين لحرب أكتوبر،    كانت استضافة مدروسة بعناية ، أراد بها الرئيس التعبير  عن  رفضه التام لأي  مقترحات شيطانية من شأنها  المساس بالسيادة الوطنية المصرية الكاملة على سيناء .  


ووصل الرئيس السيسي في التعبير عن رفضه التام لكل ما يتعلق بالمساس بسيادة مصر على سيناء،  أوحتى  مجرد الإستماع إلى ما يمهد الطريق  لتنفيذ صفقة القرن،  إلى حد أنه طالب بفيلم يجسد بطولات رجال  و شهداء القوات المسلحة المصرية كل 6 أشهر . و تقديري أن  الحوار الذي دار بين الرئيس السيسي،  و أبطال الفيلم ،لم يكن  حوارا تلقائيا  ،  بل كان حوارا مقصودا ، لا سيما عندما استوقف الرئيس الممثلين قبل انصرافهم  قائلا  انتطروني : ثم بدأ الرئيس  في الإشادة بكل أبطال الفيلم ، و خص بالذكر ، الصعيدي الذي خرج من الخندق ،  ليظهر نفسه للإسرائيليين موجها كلامه لقائده ، الذي عاتبه على جرأته،  خوفا على حياته  قائلا " أنا بوريهم إن أنا واقف" وتوقف   الرئيس عند  هذا التصرف البطولي مؤكدا  أن المصري لا يتخاذل أمام التحدي،  مهما كانت التضحيات ،   و طالب بأن يتبع فيلم الممر فيلم  ثان،  و ثالث، لأن مصر  بحاجة  لمثل هذه الأفلام ، خلال هذه المرحلة التي تتطلب التفاف المصريين حول وطنهم .


وقد يقول البعض،  إن هدف مقال نيوتن ، هو بدء تنمية حقيقية في سيناء،  بعيدا عن البيروقراطية المصرية ،  ولذلك طالب  بحاكم مستقل لسيناء تكون فترة حكمه 6 سنوات .و الرد على هذه الرسالة :  و هل كان يستطيع هذا الحاكم المستقل ، أن  يمهد الطريق أمام التنمية الشاملة  بشق أنفاق أنهت  عزلة سيناء للأبد بربط وادي النيل بسيناء عبر أنفاق   مدينتي ، الإسماعيلية ، و بورسعيد،  بهذه السرعة و هذه الإحترافية في التنفيذ ؟ و هل يمكن أن يكون هناك نسف للبيروقراطية المصرية أكثر من ذلك   ؟ . وهل لهذه الأنفاق ، مهمة أخرى،  سوى إنطلاق عملية التنمية الشاملة في سيناء، بربطها بالوطن الأم  بالتغلب على العازل المائي للقناة ؟ .و هل يعلم  السيد نيوتن،  أن سيناء بما تمتلك من ثروات،  لا ترغب إلا في تدفق استثمارات  رؤوس الأموال المصرية،  خاصة وأن رجال الأعمال المصريين ، من أغنى رجال الأعمال في العالم . و هل يعلم السيد نيوتن،   أن الدولة من جانبها ، قد رصدت مئات المليارات لتحقيق التنمية الشاملة  في سيناء،  و هل يعلم أن المرحلة الحالية ستشهد إفتتاحات لمشروعات تنموية  هائلة في ربوع سيناء ، خاصة بعد قرار،  الرئيس السيسي،  بمنع تصدير المواد الخام خاصة الرمال البيضاء و السوداء  و الرخام و الجرانيت  لتكون قاطرة التصنيع في سيناء ؟ فمصر قيادة،  و  شعبا،  وحكومة،   ليست بحاجة لرؤوس أموال أجنبية للإستثمار في سيناء ، فأرض سيناء التي روتها دماء المصريين، ستعمرها أموال المصريين،  و ليست الأموال الأجنبية التي ستشترط امتلاكها،  وعلى الأرجح ستشترط على الحاكم المستقل ،  إعادة بيعها ، لمن يدفع أكثر ، و جميعهم سيكونون من دون أدنى شك ،  ممن  اشتروا من قبل من الفلسطينيين  جانبا  كبيرا  من منازلهم ، و أراضيهم ، و مزارعهم .


وكان رد  الرئيس ، عبد الفتاح  السيسي،  اليوم  على من حملوا نيوتن الرسالة الشيطانية  ردا قاتلا ، بإفتتاح عدد من المشروعات التنموية  في منطقة السويس و سيناء في مجالات،  التصنيع،  و الإسكان ، و الزراعة،  والسياحة،  و البنية التحتية  من طرق على أحدث المعايير العالمية،  فضلا عن  محطات  مياه الشرب .


وقال الرئيس السيسي  خلال إفتتاحه هذه المشروعات التنموية ، أنها  تستهدف توفير فرص عمل ، و حياة كريمة،  لملايين المصريين،  في إشارة واضحة   لأبناء من ضحوا بدمائهم  للإحتفاظ بأرض الفيروز ،  و ليس لمن يريدون منحها لهم كبديل لبلادهم .واختتم الرئيس قائلا " هذه المشروعات مقدمة،  إحنا مش ساكتين و مش هنسكت " .


و باللغة العامية ، أو بالبلدي نقول لمن حملوا نيوتن الرسالة  " أنتم  عايزين تأخذوا  سيناء على الجاهز ،  بعد ما تم القضاء على الإرهاب ، و تم ربط سيناء بالدلتا بالأنفاق،  وتم تسليحها ببنية تحتية  حديثة. و  في الوقت الذي  بدأ فيه  المصريون تحويل سيناء لخلية نحل ، إيه يا  نيوتن عايز تدي سيناء لحاكم مستقل على الجاهز،  و الله فالح   " .


وبعيدا عن  اللغة العامية  يكون التساؤل ، كيف يتجاهل  نيوتن  ، خطورة تدويل سيناء،  و خطورة أن  تتحكم رؤوس الأموال الأجنبية ، في أهم منطقة إستراتيجية،  تعد  أولوية  أولويات الأمن القومي المصري؟ .  و هذا يعني   بكل وضوح  ،  نسف الإستقرار الذي حققه الجيش المصري في سيناء ، خلال السنوات الخمس  الماضية، و التضحيات التي قدمها أبطال القوات المسلحة ،   و الدماء الذكية التي سالت على أرض سيناء . كما يعني تعيين حاكم مستقل فصل سيناء عن الوطن الأم   و  التمهيد لعودة   تهريب الأسلحة،  و تسلل  الإرهابيين،  و التوسع في تجارة  المخدرات،  و التهريب من خلال المعابر و الأنفاق ، لا سيما و أن الجيران الذين يتحكمون في  غزة و هم  أنصار حركة المقاومة  الإسلامية "حماس "و هي حركة مقاومة  لا تقاوم  المحتل الإسرائيلي  لأنها  تعتبر  أن تحرير فلسطين ليس مهمة أبنائها ، و لكنها مهمة المصريين . و في حقيقة الأمر،  فإن رسائل نيوتن، كشفت  بجلاء النقاب  عن إسم  الدولة التي تمول ، و ترعى ،  الإرهاب في سيناء ، خشية تعمير سيناء بأياد  مصرية و رؤوس أموال مصرية  .


والمثير للدهشة  في مضمون رسائل نيوتن ،  أن  إسرائيل أصبحت تحمل المصريين   مسئولية  وجودها،  وضمان أمنها  ، بعد أن كان أقصى ما تتمناه  إسرائيل ألا يلقي بها  المصريون  في البحر   . و في واقع الأمر فإن  مخاوف  إسرائيل تنبع  من  إدراكها  ، أن اليهود  سيصبحون أقلية عددية في  فلسطين التاريخية،  بسبب  التزايد السكاني الكبير للفلسطينيين،  و أن الواقع ، و التاريخ،  و التجارب ، يقولون  أن الانتصار دائما سيكون في النهاية حليف  الأغلبية،  و أكبر دليل على ذلك،  زوال الحكم العنصري ، في دولة  جنوب إفريقيا،  فعلى الرغم من سيطرة البيض على الحكم هناك ، لسنوات طويلة ،  إلا أن الأغلبية السوداء ، انتصرت في النهاية  .


ولذلك لم يعد أمام إسرئيل إلا  ثلاثة خيارات ،  لمواجهة التفوق العددي للفلسطينيين ،  خاصة  أن غزة تحتضن أكبر كثافة سكانية في العالم ، إما أنها تتعايش مع الواقع  و تحتضن  الفلسطينيين في دولة واحدة ،  إما أن تلقي بفلسطينيي غزة في البحر،  وإما أن تجد لهم وطنا بديلا  في  سيناء،  و هذا  الحل الأخير  تراه إسرائيل الحل الأمثل بالنسبة لها ، و من هذا المنطلق  حملت إسرائيل هذه الرسالة لنيوتن لتوصيلها للشعب المصري ،  و  هنا أسمع جيدا أصوات المصريين  تتعالى  و هم ينادون   لرجال قواتهم المسلحة ، " البسوا المموه لنيوتن بيخاف منه"  .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط