الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمد زيدان يكتب : الفاتحة والصراط المستقيم .. وشروط البقاء عليه

د. محمد زيدان
د. محمد زيدان

سورة الفاتحة سورة مركزية في حياتنا، هي فاتحة كتاب الله الكريم، نقرأها كل يوم سبعة عشر مرة على الأقل في صلاتنا، نحفظها ونرددها، وترتاح بها ولها قلوبنا، لأنها في حقيقتها ما هي إلا دعاء لله تعالى، أنا لن أحاول هنا شرح وتفصيل معاني آياتها، فقد سبقني الى هذا الكثيرون ممن هم أقدر مني على ذلك، واستخرجوا من آياتها السبعة ، مئات المعاني الرقيقة والدقيقة، لكنني هنا سأحاول تتبع موضوع رئيس ومحوري لهذه السورة المعجزة، هذا الموضوع هو مركزها الذي تدور حوله آياتها السبعة، هذا هو "الصراط المستقيم".

تعالوا معًا نتأمل آيات هذه السورة ونحاول أن نقترب أكثر من فهم لماذا أمرنا الله بقراءتها في كل صلاة ، وما موضوع الصراط المستقيم ، وهل نحن فعلا على هذا الصراط.   

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)﴾

السورة تبدأ بالتقديم والتمهيد لأهم دعاء قد يدعو به انسان، فبعد أن نبدأ  ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾  (1) ، ونحمده ربًا للكون وخالقًا ورازقًا ومهيما في حياتنا كلها ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (2) ، ونكرر أن لا راحم لنا إلا هو ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ (3)، وأن أكثر يوم نكون في أمس الحاجه الى هذه الرحمة هو يوم القيامة ، فهو الذي له الملك والأمر والنهي ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ (4).

هنا فقط يتحول الخطاب فجأة من ضمير الغائب الى ضمير المخاطب في التفات مؤثر، فبدلًا من أن كنا نتحدث عن الله، صرنا هنا نتحدث مع الله، ونخاطبه بعد أن إستحضرناه في قلوبنا ونقول له لا نعبد الا أنت ولا نستعين الا بك ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (5) ، لكن ماذا سنطلب الآن منه ونحن نخاطبه في أقرب علاقة لنا به ، نطلب أمرًا واحدًا فقط هو ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، لماذا؟ ، لأن هذا هو ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ (7) . اذًا الصراط المستقيم هو مركز السورة تمامًا، فما قبل هذا الدعاء هو تمهيد له، وما بعده وصف وتفصيل له.

لنعرف أكثر عن هذا الصراط المستقيم، سنحاول تطبيق طريقة الترتيل الي تناولناها سابقًا، وهو البحث أفقيا في كل سور القرآن الكريم، عن الآيات التي ورد فيها "الصراط المستقيم" لنحاول الوصول الى المعنى الأعم والأشمل لهذا الصراط المستقيم، وسنرى كيف ستبدأ آيات القرآن الكريم في انسيابية وتناسق مبدع في رسم ملامح هذا الصراط، وتشرح لك كل ما تريد أن تعرفه عنه. وسترسم لك عشر حقائق عن هذا الصراط المستقيم، وعشر شروط للبقاء عليه والتي تشكل حدود هذا الصراط.

أولًا: تبدأ ثلاث آيات من سور الحجر وهود والأنعام برسم أول معالم هذا الصراط، قال تعالى ﴿قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾ الحجر 41، وقال على لسان هود عليه السلام ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56)﴾ هود – 56، ﴿وَهَٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ  ...﴾ الأنعام 126 . اذن بدأت تتضح أول وأهم معالم هذا الصراط، الحقيقة الأولى: هذه الصراط المستقيم هو طريق الله تعالى ونسبه إلى نفسه.

ثانيًا: مجموعة ثلاثية أخرى من الآيات من سور البقرة ويونس والنور ترسم لنا الآن الحقيقة الثانية حول هذا الصراط، قال تعالى ﴿ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ البقرة - 142 ، وقال ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ يونس 25 ، ﴿لَّقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ ۚ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ النور 46 ، اذًا الحقيقة الثانية : لا هادي الى هذا الصراط المستقيم إلا هو، ولهذا ندعوه وحده في سورة الفاتحة أن يهدينا الله إليه.

ثالثًا : تأتي الآن ثلاث آيات أخريات من الزخرف، الأنعام، الفتح، قال الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم  ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ الزخرف - 43 ، وقال تعالى ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ الأنعام 161، وقال ﴿لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾  الفتح 2 ،  إذًا : محمد صلى الله عليه وسلم على الصراط المستقيم. ليس هذا فقط، تأتي خمس آيات من سورة الأنعام لتكمل لنا الحقيقة الثالثة لهذا الصراط: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (87)﴾، الحقيقة الثالثة: أنبياء الله ورسله جميعًا هم أول السائرون على هذا الصراط المستقيم. هل بدأت الآن ملامح هذا الصراط تتضح أكثر فأكثر؟ .

رابعًا: قال الله تعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ الشورى 52، وقال الله على لسان عيسى عليه السلام ﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ مريم 36، وقال ابراهيم لأبيه ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾ مريم 43، الحقيقة الرابعة: أنبياء الله ورسله هم الداعون لهذا الصراط المستقيم، ويهدون اليه بأمر الله من اختاره الله للهداية ، قال تعالى ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ القصص -56 .

خامسًا: ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (15)﴾ المائدة 15 -16، الحقيقة الخامسة: القرآن الكريم وكتب الله السماوية هي دستور الهداية لهذا الصراط المستقيم.

سادسًا : ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ الأعراف 16-17 ، ويحكي الله الحكاية في صورة الحجر ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) ﴾ الحجر 39-42 . الحقيقة السادسة: إبليس يصد عن الصراط المستقيم. ومهمته الأساسية الغواية عن هذا الصراط.

سابعًا: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ المائدة -16، الحقيقة السابعة: كل طريق يؤدي إلى الصراط المستقيم هو من "سبل السلام" .

ثامنًا : تأتي الآن سورة الأنعام لتشرح في ثلاث آيات متتالية ، حدود هذا الصراط المستقيم ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ﴾ الأنعام 151- 153. ترسم هذه الآيات الحقيقة الثامنة عن هذا الصراط، وتصف حدوده وعشر شروط للبقاء عليه، وهي تجنب ما حرم الله. وهذه الآيات من سورة الأنعام تصف عشر وصايا أمر الله بها البشر عبر تاريخهم كله، ووصى بها الأنبياء، وما أنزل معهم من كتاب الله، عشر وصايا تمثل الإطار العام  لمنظومة القيم البشرية، وهي القاسم المشترك لكل الرسالات السماوية، وهدف ومسعى ابليس اللعين أن يصدنا عن الالتزام بها، عشر أمور ندعو الله في كل صلاة وفي كل مرة نقرأ فيها سورة الفاتحة أن يهدينا الى الالتزام بها وعدم الخروج عنها، وتتكامل هذه الآيات في إعجاز مع سورة الفاتحة، فالله يصف الصراط المستقيم في الفاتحة ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)﴾، وهنا نجد لا يرتكب هذه المحرمات ولا يخرج عن هذا الصراط الا من غضب الله عليه أو كان من الضالين، مثلًا: الذي يخالف الوصية الأولى في الآيات ﴿أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا﴾ هو من الضالين، حيث يصف الله الشرك بأنه ضلال بعيد ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: 116]. ومثلًا: الذي يخالف الوصية الخامسة في هذه الآيات ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ فقد قال تعالى عنه ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ النساء 93. إذا كل من ليس على الصراط المستقيم هو من المغضوب عليهم أو الضالين، لاحظوا أيضًا قول الله تعالى ﴿... وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ النساء 143 ، ويبقى على الصراط فقط من أنعم الله عليهم باجتناب هذه المحرمات وبالهداية الى صراطه.

تاسعًا: تحدد لنا الآيات السابقة أيضًا، الحقيقة التاسعة عن الصراط المستقيم، وهي أن السقوط في واحدة من هذه المحرمات هو أحد الطرق للخروج عن الصراط المستقيم وسماها السبل ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾، تأملوا مثلًا قوله تعالى ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلًا﴾ الإسراء 32، أو قوله ﴿وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ النساء 22 
عاشرًا: الم تلاحظوا شيئًا هامًا، أن كل ما رسمته الآيات مجتمعة حتى الآن في وصف الصراط المستقيم، بأنه الطريق الى الله تعالى، والله هو الهادي له، وعليه أنبياؤه ورسله، ويهدون الناس اليه، هم وما أرسلوا به من كتاب الله تعالى، وإبليس يحاول قطع هذا الطريق الى الله، بالوقوع في محرمات الله تعالى، ألم تلاحظوا إن هذا كله ليس إلا مفهوم الدين أصلًا. لذا نأتي الآن الى آية ابداعية أخرى من سورة الأنعام لتجمل وتلخص لنا مفهوم الصراط المستقيم، بسم الله الرحمن الرحيم ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ الأنعام 125-126. لاحظتم هنا كيف جاءت نهاية الآية ﴿ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴾، كأنها تقول لنا هل اتضحت لكم الآن ملامح هذا الصراط المستقيم؟ ، فكل الآيات حتى الآن لم تكن تتحدث إلا عن شيء واحد ، وهو الإسلام وفيه تتحقق كل الشروط والصفات السابقة ، والمقصود هنا الإسلام بمفهومه الواسع، الإسلام دين الله الواحد الذي دان به الكون كله لله فكلمة دين لم تجمع أبدًا في القرآن الكريم ، فهو دين واحد أنزله الله للبشرية ودعا إليه جميع أنبياؤه ورسله ، وجاء محمد صلى الله عليه وسلم ليتممه ويضع اللبنة الأخيرة في هذا البناء العظيم ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. والذي وسأحاول أن أفرد لهذا الموضوع مقالًا خاصًا عن الإسلام في القرآن. 

هل اتضحت الآن صورة الصراط المستقيم بشكل أقرب؟ عندما حاولنا ترتيل الآيات، تجمعت آيات القرآن الكريم وتراصت واصطفت في تناسق، لترسم لنا صورة ابداعية، وتشكل لنا المعنى الأشمل لما نبحث عنه، وتشرح لنا وتفسر بعضها بعضًا. هل فهمنا الآن أن الله هو الذي تكفل ببيان هذا الكتاب الكريم؟ ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ(18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)﴾ القيامة 18 – 19 ، اللهم اهدنا الصراط المستقيم ، وثبتنا عليه ، وابعد عنا الشيطان الرجيم الذي يتربص بنا ليغوينا عنه ، فهو ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ آمين .