أقيمت الحلقة الثانية عشرة لملتقى الفكر الإسلامي، الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، برعاية الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، في إطار التعاون والتنسيق بين الوزارة والهيئة الوطنية للإعلام ؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف، وتصحيح المفاهيم الخاطئة.
وجاءت الحلقة بعنوان: " تنظيم الأسرة سلوك الأمم المتحضرة "، وحاضر فيها كل من: وفاء عبد السلام الواعظة بوزارة الأوقاف، وميرفت عزت بوزارة الأوقاف ، والدكتورة جيهان يسن الواعظة بوزارة الأوقاف، وقدم للملتقى الإعلامي عمر حرب المذيع بقناة النيل الثقافية .
و أكدت وفاء عبد السلام أن الأسرة هي الركيزة الأساسية في بناء المجتمع وتماسكه ، وخط الدفاع الأول عنه ؛ لذا حرص الإسلام حرصًا شديدًا على سلامتها وحمايتها ، وبنائها بناءً سويًّا ، حفاظًا على سلامة المجتمع وأمنه واستقراره ، وتحقيقًا للمصالح والمنافع البشرية وعمارة الكون.
واشارت مشيرة إلى أن الإسلام اهتم بالأسرة اهتمامًا بالغًا يليق بمكانتها ودورها في بناء المجتمع ، فحث الإسلام على بناء الأسرة السوية بطريقة مشروعة سوية تليق بكرامة الإنسان وآدميته ، وتتوافق مع فطرته السليمة ، فشرع الزواج الذي هو إحدى سُنَن الله (عز وجل) في الخلق ، فقال- سبحانه-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، فالزواج علاقة تقوم على الرحمة والسكينة والاستقرار ، وفي ظلال الأسرة السوية المتماسكة تنمو الخلال الطيبة ، وتنشأ الخصال الكريمة ، ويعيش النشء الصالح حيث تسود المودة ، وتنتشر الرحمة في جنبات هذا البيت الكريم .
وأضافت وفاء أن الأسرة الَّتي تُبنى على قواعد الإسلام الحقيقية ، هي أسرة باقية مدى العمر لا تنفصم عراها ولا تنحل أوصالها ؛ لذا حرص الإسلام على أن يكون بناء الأسرة وفقًا لأسس سليمة ومتينة ، وقد بيَّن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن الأسرة أمانة ومسئولية يحاسب عليها العبد يوم القيامة ، فقال (صلى الله عليه وسلم) : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ - قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) فالأبناء إذا افتقدوا الرعاية والتربية؛ تحقق ضياعهم وانتشرت الفوضى في المجتمع .
و أشارت إلى أن تنظيم النسل سلوك يهدف إلى حماية الأسرة وخلق جيل قوي يتمتع بصحة ورعاية جيدة ، يقول سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :( الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ )، وأن أي مجتمع بقوة سواعد أبنائه ، ولا يتأتى ذلك بكثرة الإنجاب بأعداد كبيرة لا تقوى الأسر ولا المؤسسات على تلبية احتياجاتها ، فينشأ عن ذلك كوارث اجتماعية واقتصادية تهدد المجتمعات وتعوق تنميتها وتقدمها .
وفي ختام كلمتها أكدت أن مراد من قوله (صلى الله عليه وسلم) : ( تَنَاكَحُوا ، تَكْثُرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) هو التباهي بالأقوياء الأصحاء لا بالكثرة الهزيلة الضعيفة ، فالذرية القوية والنسل الذي يرفع وينفع أفضل من الكثرة الضعيفة ، فالإسلام يريد منا شبابًا قويًّا , ومن هنا فلا يوجد خلاف بين العلماء في تنظيم النسل ، فتنظيم الأسرة سلوك منظم يهدف إلى سلامة الأسرة ورعايتها .
من جهتها،أكدت الدكتورة جيهان يسن الواعظة بوزارة الأوقاف أن الإسلام يحرص كل الحرص على أن تقوم الرابطة الزوجية - التي هي النواة الأولى للأسرة- على المحبة ، والتفاهم والانسجام ، وهذه هي أهم خطوة في إصلاح المجتمع يليها تربية النشء وتحصينه ، وهذه التربية هي مسئولية الأسرة ، رجالًا ونساءً ، فكل فرد راع ومسئول عن رعيته .
وفي ختام كلمتها أكدت أن تنظيم النسل ضرورة وطنية خاصة في المرحلة الراهنة ، وذلك لأن الأولاد أمانة عند والديهم فلهم حق الكسوة والإطعام والتعليم والتربية تربية دينية وخلقية ونفسية ؛ حتى لا يكونوا عالة على المجتمع ، ومن هنا تأتي أهمية تنظيم الأسرة حتى نوجد جيلا قادرا على تحمل المسئولية وعمارة الحياة .
فيما أكدت المهندسة مرفت عزت أن تنظيم الأسرة لا يتعارض مع الفهم الصحيح لمقاصد الشرع الحنيف ، مشيرة إلى أنه السبيل إلى النهوض بالمجتمع في التعليم والصحة ، وتتحقق به قدرة الزوجين على رعاية وتربية الأبناء.
وبينت أن القرآن الكريم أكد على حق الطفل في الرعاية والإرضاع ، فقال سبحانه : {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ }، وهذا الإرضاع حق للطفل ، لذا يجب أن يأخذ كل طفل حقه في مرحلتي الحمل والإرضاع ، والتربية السوية ، مع ضرورة الوفاء بحقه في المأكل والملبس والصحة والتعليم ، ومن ثمَّ فإن للأسرة دورًا كبيرًا في رعاية الأولاد - منذ ولادتهم - وفي تشكيل أخلاقهم وسلوكهم ، فعلى الآباء غرس القيم والفضائل الكريمة والآداب والأخلاقيات والعادات الاجتماعية التي تدعم حياة الفرد وتحثه على أداء دوره في الحياة وإشعاره بمسئوليته تجاه مجتمعه ووطنه وتجعله مواطنا صالحًا في المجتمع .
وأشارت إلى أن الأسرة في ظل هذه الظروف الراهنة التي يمر بها العالم أجمع من انتشار فيروس كورونا ، وفي ظل الحجر الصحي الذي كان سببا في أن يجلس الجميع في المنزل يجب أن تكون متماسكة ، فربما يكون ذلك فرصة لإصلاح كثير من سلوكيات أفرادها ، وإعادة النظر في ترتيب الأولويات والتركيز على التربية الإيمانية التي ينشأ عنها جيل قوي نافع لنفسه ومجتمعه ، وهذا الحجر فرصة كي تتقرب الأسرة ببعضها ، ويتابع الأب عن قرب سلوك أبنائه ، في جو تسوده المحبة والألفة بين جميع أفراد الأسرة ، وربما تكون هذه الفترة سببا في لَمِّ شملها وتقويم سلوكياتها.