الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في الذكرى الـ 75 لنهاية الحرب العالمية الثانية.. وزير خارجية ألمانيا: يمكننا الاستفادة من الكوارث التاريخية بعدم السماح بتكرار أسباب وقوعها.. ولن تنطلق أي جرائم ضد الإنسانية مرة أخرى من أراضينا

قبور لضحايا الحرب
قبور لضحايا الحرب الكبرى

الوزير الألماني:
* في مثل هذا اليوم توقفت المدافع عن إطلاق النار بعد سقوط ما يزيد على 40 مليون قتيل في أوروبا و20 مليون خارجها
* الألمان دفعوا الثمن حين لم يستطيعوا التخلص من براثن النازية منذ صعودها في يناير 1933
* لن تشن حرب ضد الإنسانية مرة أخرى من الأراضي الألمانية
* لا يمكننا إسدال الستار على هذا الجزء من تاريخ ألمانيا ولدينا أفضل نقد ذاتي
إرساء ذكرى الثامن من مايو في الذاكرة الأوروبية من شأنه أن يوحد صفوفنا 

في مقال مشترك لوزير خارجية ألمانيا الاتحادية هايكو ماس، ومدير معهد التاريخ المعاصر في ميونخ، أندرياس فيرشينج، بعنوان "لا سياسة دون تاريخ" أكدا أن يوم 8 مايو 1945 لم يخلف أي يوم مثله، هذا الأثر العميق على تاريخ أوروبا الحديث، وحين توقفت المدافع عن إطلاق النيران كان قد سقط ما يزيد على 40 مليون قتيل في أوروبا و20 مليون خارجها. وبعدها كانت تلك نهاية عهد الرعب النازي. ولذا، أصبح هذا اليوم ذكرى التحرير للملايين من المضطهدين والمسلوبة حقوقهم وذكرى الضحايا ورمز إلى الانتصار على الباطل.

وتابعا أن الألمان دفعوا من خلال هذا اليوم الثمن لسماحهم بأحداث يوم 30 يناير 1933 وعدم تمكنهم من تخليص أنفسهم من براثن النازيين.

وقالا إن الغالبية العظمى من الأشخاص وقفوا بين حطام المدن الألمانية ينظرون بخوف وقنوط إلى المستقبل. واستغرق الأمر حوالي 40 عامًا حتى استطاع الرئيس الاتحادي آنذاك ريشارد فون فايتزيكر تسمية ذلك "بالتحرير"، متحدثًا باسم ألمانيا وواثقًا من تأييد الجزء الأكبر من المجتمع في ألمانيا الغربية على الأقل لما يقوله. ومهدت الطريق أمام ذلك، العملية التي شرعت فيها ألمانيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بهدف التغلب على الماضي وإعادة النظر فيما تضمنه من جرائم ارتكبها النازيون - عملية كانت مؤلمة في الكثير من الأحيان واعترضتها عديد من الانتكاسات.

اقرأ أيضا:

عبر التاريخ 
وشدد المقال على أن هذه التجربة أثبتت أنه يمكن الاستفادة من الدروس التي نستخلصها من الماضي، لا سيما من كوارثه. ولا يجوز أبدًا أن تُشن حرب أو ينبعث جرم ضد الإنسانية مرة أخرى من الأراضي الألمانية، ويعد هذا بمثابة الجوهر الراسخ للسياسة الخارجية الألمانية اليوم. تأييدنا لأوروبا القوية والموحدة ودفاعنا عن حقوق الإنسان بوصفها تعبير عالمي عن الكرامة الإنسانية ودعمنا للتعاون الدولي الخاضع للقواعد ورفضنا لأي مسارات خاصة ألمانية - يأتي كل هذا نتاجًا للمعرفة حول الجرائم المنقطعة النظير التي اقترفتها ألمانيا في القرن العشرين والتي تبلورت بصورة مريعة ومشينة.

وأوضح أن من يريد اليوم إسدال الستار على هذا الجزء من التاريخ الألماني، فإنه لا يسخر فقط من الضحايا، بل يسلب السياسة الألمانية مصداقيتها. لأن النقد الذاتي والاعتداد بالذات أمران متلازمان. ولا ينطبق هذا على أي بلد أكثر ما ينطبق على بلدنا.

وقال إنه وعليه إذًا، فالسياسة بدون تاريخ أمر غير وارد بالنسبة لنا. ولكن ماذا عن العكس؟ ما مقدار السياسة التي يمكن للتاريخ تحملها؟ نحن نشعر فعليًا في كل لقاء دولي بمدى وثاقة العلاقة المتبادلة بين هذين الأمرين. كما يتباين تقدير مختلف الأطراف ليوم الثامن من مايو في الكثير من الأحيان بصورة جوهرية.

وذكرا أنه يتم في روسيا وبلدان أخرى تابعة للاتحاد السوفيتي سابقًا في هذا التاريخ إحياء ذكرى الأبطال وإطلاق مواكب النصر احتفالًا بنهاية الحرب. في الدول التابعة للحلفاء الغربيين، يتم كذلك الاحتفال بالثامن من مايو. ونحن نعرب في تلك المناسبة أيضًا عن امتناننا حتى اليوم لكل من حارب ضد الديكتاتورية النازية.

على غير ذلك، ينظر البشر في بولندا ودول البلطيق ودول أخرى في وسط وشرق وجنوب أوروبا إلى يوم الثامن من مايو بمشاعر مختلطة. فالسعادة بالنصر على النازيين ترتبط بالنسبة لهم ببداية شكل آخر من فقدان الحرية والقدرة على التحكم في المصير الذاتي – وهي خبرة يشاطرهم إياها الكثيرون في شرق ألمانيا.

مسؤولية ألمانيا 
وعليه، فيوم الثامن من مايو من شأنه أن يكشف لنا أمرًا معينًا، ألا وهو: أن التاريخ يؤثر في هويتنا كأشخاص، بل وأيضًا كأمم. هذا من شأنه أن يزيد من أهمية صدقنا وإخلاصنا في التعامل معه. أوضح الماضي الألماني مدى خطورة التعديل التاريخي الذي يحل الأساطير القومية محل الفكر المنطقي. بناء على ذلك – وليس مثلًا بسبب توهمنا بتفوقنا أخلاقيًا – فنحن كألمان مطالبون بالذات باتخاذ موقف عندما يتم تحويل المجني عليهم إلى جناة والضحايا إلى مجرمين. إن المحاولات المتكررة في الأشهر الماضية والرامية إلى تشويه التاريخ بمثل هذا الشكل المشين تستوجب منا توضيحًا، يفترض في الواقع ألا يكون لازمًا في ضوء الحقائق التاريخية الراسخة: إن ألمانيا قامت وحدها من خلال شن الحرب على بولندا بإشعال الحرب العالمية الثانية. ألمانيا وحدها مسؤولة عن الجرم المرتكب ضد الإنسانية. إن من ينشر الشك في ذلك ويوجه أصابع الإدانة إلى شعوب أخرى واضعًا إياهم في خانة الجناة يرتكب ظلمًا في حق الضحايا. كما أنه يسيء استغلال التاريخ ويفرق الصفوف في أوروبا.

وتساءل كاتبا المقال عن كيفية إرساء ذكرى الثامن من مايو في الذاكرة الأوروبية بصورة من شأنها أن توحد صفوفنا؟ وأجابا أن هذه المهمة تتطلب أمرين: أولهما، الاستعداد لضم وجهة نظر الآخرين إلى ذكرياتنا، بما فيها ألم الضحايا ومسؤولية الجناة على حد سواء. وثانيهما، الشجاعة على التفريق بوضوح بين الضحايا والجناة وبين الأسطورة والحقيقة التاريخية. إن السعي وراء تحقيق ذلك سيبقى هدف ومهمة السياسة الألمانية فيما يخص التعامل مع التاريخ. إنه لأمر جيد أن يذكرنا الثامن من مايو بذلك.