الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. هادي التونسي يكتب: الدكتور صبحي بدير

صدى البلد

كيف يمكن لمن يعمل كل ليلة مغنيا مع فرقة شهيرة في نوادي ليلية، بل ويسافر معها في جولات خارجية ان يكمل دراسته بمعهد التربية الموسيقية والكونسرڤتوار؟ كيف يمكن ان يلمع كمغني للأغاني الشعبية الغربية، وأيضا كمغني للأوبرا شارك الأداء وهو طالب قبل حصوله علي الدكتوراه في الأوبرا الإيطالية والفرنسية مع اشهر مغنيي الأوبرا المصريين من أساتذته ؟ كيف يمكن ان يغني بخمس لغات دون لكنة، و يتفوق علي مغنيين بريطانيين بشهادة نقابتهم ،و تختاره سنغافورة بلد التميز لإحياء حفلة فرقتها الافتتاحية؟ و لماذا منحه رئيس إيطاليا لقب فارس، كالمعتاد قبل ان تكرمه مصر؟ كيف أمكن له ان يحوز كطالب إعجاب مدرسيه المشاهير فيشاركهم الأداء، و كيف اعتني بتدريب و تصعيد كفاءات أصبحوا أعلاما في مجالهم وأصدقاءه  بتواضع و نزاهة و محبة، حتي جمعهم الوفاء و الأمان و المودة ،و استمروا يعملون معه في تآلف عبر  عقود؟ ما كل هذا التميز الذي جعل الفرقة الأصلية التي أبهرت محبي الموسيقي الغربية تصبح أسطورة لقرابة نصف قرن منذ بدايتها؟
 
شاهدته في السبعينات في حفلات قصر المنتزه بالإسكندرية الصيفية، يشيع جوا من الرومانسية بأداء رائع للأغاني الفرنسية و الإيطالية الحالمة الناعمة، يجعلنا نعيش احلي مشاعر الحب و التجلي؛ اداء يشعرك ان وراءه نبلا أرستقراطيا حانيا كامنا خلف شخصية مستقيمة حذرة متواضعة مسالمة،  شعور قد لم استطع وصفه وقتها،لكن اكدته السنين، كانت السبعينات فترة ليبرالية الفكر، و كنت كفئة من شباب ذلك الجيل احفظ الكثير من تلك الأغاني ، اتابع اخبار و صور مغنييها، و عاصرت كيف كان الازدحام لمشاهدة فرقة الپيتي شا، و طابور سيارات المشاهدين يمتدكيلومترات لدخول أسوار القصر بالذات في الحفلات الصباحية، فالفرقة أسهمت في نشر الغناء الغربي و تحديث فنوننا، ثم باعدت سنوات عملي الدبلوماسي في الخارج في العقود التالية بيني و حفلات الفرقة، بينما كان د صبحي بدير يمارس عمله أيضا  مدرسا للغناء الفردي يعتني بتدريبهم و تبادل الخبراء و المنح مع إيطاليا، التي منحته لقب فارس تقديرا لإثراء التبادل الثقافي، و ربما أيضا  لدوره في نشر ثقافة المتوسط التي جمعت قرونا بين ضفتيه، و بين من علمهم من اختارهم للعمل معه في فرقة الأصدقاء التي كونها منهم و زميله المغني المتميز صادق قلليني.

عام ٢٠٠٦ قابلتهما لأول مرة في استراحة احدى حفلاتهم، و بالهام لا اعرف مصدره قلت لا اعرف اين سأعمل سفيرا لكنني سأستقدمه و فرقة الأصدقاء، و قد كان حيث أحيت الفرقة المكونة من احدي عشر فردا تتضمن اضافة لهما المايسترو ناير ناجي و ستة من خريجات الغناء و الكورال و فنيين اسبوعا ثقافيا ابهر المسئولين و الاعلام و المشاهدين بغناء بخمس لغات ،غير عام ٢٠٠٨ الانطباع السلبي الذي ينتقل عبر بعض وكالات الأنباء الغربية عن المجتمع المصري، حتي ان المسرح القومي الناميبي اشاد في خطاب بالمستوي العالمي للفرقة طالبا من مصر اعادة إيفادهم العام التالي، ليحيوا حفلاتهم بالأقاليم. كانت الفرقة مشرفة فنيا و خلقيا، و أذاعت قناتا التلفزيون المحلي حفلاتهم اضافة للتغطية الإعلامية الكثيفة ، و أتاح الوقت لي صداقات شخصية مع أعضائها ، بقيت حتي الان، و عرفتني عن قرب بصديقي د صبحي بدير، شعرت ان تنشأته القويمة و تعليمه المتميز بمدرسة لغات جعلته منذ الشباب يعيش فطرته،و يعرف طريقه، يتفاني، و يتميز، و يبقي علي استقامته رغم الاغراء، و علي تواضعه رغم التميز، و علي محبته رغم الضغوط، و علي توافقه مع أساتذته و طلبته، و علي ذلك الطفل المندهش الفرح بانجازاته في خجل و تواضع، و علي سلامه الداخلي في مجتمع متغير، حتي تظهر علاقاته المحتوية المستديمة المسالمة المثمرة التوافق النفسي و النضج، و تجعله فوق ريادته الفنية و  دوره الثقافي المجتمعي و الدولي قدوة لمن خالطه و لمن يريد ان يمتهن الفن طريقا للمستقبل