الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«الرورو» سبب كراهية «أردوغان» لمصر (1)


يخطيء من يعتقد أن كراهية رئيس تركيا، رجب طيب أردوغان،  للرئيس عبد الفتاح السيسي، ترجع إلى حرص أردوغان  على الديمقراطية حسب زعمه، لكن السبب الحقيقي لهذه الكراهية، يرجع  إلى نجاح  الرئيس عبد الفتاح السيسي، في إحباط المكاسب الإقتصادية، والتجارية، الهائلة، التي كانت ستحققها تركيا، على حساب الإقتصاد المصري، و الصناعات الوطنية المصرية، لو لم تكن ثورة 30 يونيو قد أطاحت بمحمد مرسي، أول رئيس إخواني يحكم مصر.



فمخطط أردوغان ، كان قائما ، على تحويل مصر لسوق للسلع ، و المنتجات التركية ،  على حساب الصناعات  الوطنية المصرية،  و  إستغلال الأراضي المصرية، كمعبر،  للفوز بكعكة إعادة إعمار ليبيا ، البلد الغني بالثروات البترولية  ، فضلا عن  إستغلال  ليبيا و السودان ، من خلال الأراضي المصرية، للنفاذ بالمنتجات التركية للقارة الإفريقية،  على حساب صنع في مصر  .



 ويقول التاريخ الذي لا يخطيء و لا يتجمل ، أنه لم  يكد يجلس الرئيس  الإخواني،  محمد مرسي ، على كرسي الحكم في مصر ،  في يونيو ، 2012 ، إلا و بادر رجب طيب  أردوغان ،  بتوقيع  أهم إتفاقية استهدفت  إستغلال الأراضي المصرية ، لتحويل مصر لسوق للصناعات
التركية  ، و ضرب عائدات قناة السويس .    و أطلق على هذه الإتفاقية  إسم إتفاقية  " الرورو "،  التي وقعها أردوغان في القاهرة ، في 23 سبتمبر 2012  ، مع  مرسي،  بعد مرور ثلاثة أشهر فقط ، من وصول مرسي  لحكم مصر . و تقوم  إتفاقية "الرورو"
،  على نقل الصادرات التركية ، من مينائي " ميرسن " و " أسكندرونا " التركيين ،إلى مينائي ، "دمياط "و" بورسعيد" المصريين على البحر المتوسط .  كما  نصت الإتفاقية ، على أن  يتم تفريغ المنتجات التركية ، من على متن  السفن التركية ، إلى شاحنات و لواري ، تسير على الطرق المصرية ، حتى تصل إلى ميناء" الأدبية"  المصري ، على البحر الأحمر،  لنقلها بعد ذلك ، على متن  سفن ،  إلى موانيء السعودية،  و منها إلى بقية  أراضي دول الخليج . كما تضمنت  إتفاقية  الرورو،  التي رفض الرئيس ،عبد
الفتاح السيسي ، تجديدها بعد مرور ثلاث سنوات على توقيعها ، على تموين اللواري،  التي تحمل البضائع التركية،  بالسولار
المصري،  المدعم في هذا التوقيت  بنسبة تزيد عن  90
في المائة،  طوال سير  الشاحنات في الأراضي
المصرية،  و حتى قبل مغادرتها بإتجاه أراضي دول أخرى،  بما
فيها بكل تأكيد،  ليبيا ، و السودان،  و هو ما
يعني  تموينها بالسولار المصري المدعم ، حتى تصل للعاصمة الليبية
طرابلس،  و السودانية الخرطوم .



  و تستهدف هذه الإتفاقية ، المجحفة بالإقتصاد
المصري،  وصول  أسعار السلع،  و البضائع ، و
المنتجات،  التركية إلى مصر بأسعار منخفضة ، بهدف قتل التنافسية
للصناعات المصرية ،  بمنح  المنتجات
التركية   ميزة السير على الطرق المصرية ،
بإستخدام  السولار  المصري المدعم،  بدلا من مواصلة
نقل هذه المنتجات ، عن طريق قناة السويس،  التي تربط  البحر
الأبيض ، بالبحر الأحمر ، نظرا لإرتفاع تكاليف النقل
البحري  ،  سواء بسبب رسوم عبور قناة
السويس،   أو بسبب إرتفاع تكلفة تشغيل  سفن الشحن ،
بالنظر لأن هذه السفن  ،  ستعود خاوية من
البضائع  من دول الخليج ، على أساس أن دول الخليج ، ليس لديها ما تصدره
، سوى  البترول ، الذي لا يستخدم سفن شحن عادية،  و لكن
يستخدم  ناقلات البترول  .



  و مع تولي الرئيس ،عبد الفتاح
السيسي،   حكم مصر، بمقتضى  ثورة 30
يونيو  شعر  بصدمة قوية ،  بعد ما إطلع
على  الكوارث التي حلت بالإقتصاد المصري ، جراء إتفاقية
"الرورو" ، التي بدأت تركيا في إستغلالها  في غزو السوق
المصري بالمنتجات التركية ، رخيصة الأسعار ،  بالقياس بالمنتجات
المصرية  .  



  و   توصل
الرئيس  السيسي   بعد  دراسة متأنية لإتفاقية
"الرورو" ،   أن كل ما جنته مصر،  جراء
إستخدام تركيا للأراضي البرية المصرية،  بدلا من قناة السويس،   بما
فيه تحمل  تكاليف تأمين سير اللواري عليها ، فضلا عن تموينها بالسولار
المدعم ، بمئات الملايين من الدولارت،  لم يزد عن مكاسب بلغت
بالكاد  15 مليون دولار،  خلال السنوات الثلاث،  في
حين حققت تركيا مكاسب خلال نفس المدة ،  تخطت  النصف مليار
دولار  .  كما تبين للسيسي ،  أن إستخدام اللواري
للطرق المصرية بشكل مكثف   بدلا من قناة السويس،  أدى
إلى إتلاف الطرق المصرية ، نظرا للحمولات الكبيرة للواري و الشاحنات
،  و حدوث إختناقات مرورية ، فضلا عن أن البعض كان يستغل طريق مرور
اللواري التي تحمل المنتجات التركية ،  في تهريب الأسلحة،  و
المخدرات ، و تهريب  الوقود المصري المدعم، و إستخدام جانب من عائداته
،  في تمويل الأرهاب ،  بهدف زعزعة إستقرار مصر ، نظرا
للعلاقات القوية بين التنظيم الدولي للإخوان الإرهابيين،  و نظام
أردوغان .



 و قد تسبب قرار السيسي ، بعدم تجديد إتفاقية
"الرورو " ، في إندلاع عاصفة من الإنتقادات في تركيا ، حيث
عكست  إنتقادات،  كمال كليجدار أوغلو ، زعيم حزب الشعب
الجمهوري ، مدى غضب الأتراك من أردوغان  ، جراء عدم تجديد إتفاقية
"الرورو"  . و  قال أوغلو ،  أن الكارثة
التي حلت  بقطاع النقل ، جراء قرار السيسي بإلغاء إتفاقية
الرورو،  كانت قاتلة بعد أن إتحدت 55 شركة تركية،  تمتلك 8
آلاف شاحنة ،  يعمل بها 10 آلاف سائق. أضاف أن هذه الشركة
المتحدة    وجدت نفسها و قد فقدت  أعمالها ، بعد أن
تخصصت في نقل المنتجات التركية ، سواء إلى الموانيء التركية،   أو  عبر
الطرق المصرية ، بإتجاه خليج العربي،  و إفريقيا  .



   أما السبب
الثاني،   الذي رفع من معدلات  كراهية أردوغان للسيسي ،
هو العمل على الحفاظ على   حق مصر في الفوز بإعادة إعمار
ليبيا،  في وقت إعتقد فيه أردوغان ، أنه ألتهم  كعكة إعمار ليبيا
منفردا ، خاصة بعد أن وقعت الشركات التركية على العديد من الإتفاقيات لإعادة إعمار
ليبيا تقدر بنحو 30 مليار دولار . يذكر أن معظم هذه الإتفاقيات وقعها
أردوغان  مع نظام رئيس حكومة الوفاق الليبية  فائز السراج ،
مستغلا الغطاء الدولي،  الذي تحتمي به هذه الحكومة
الإرهابية،  لتحقيق مصالح الدول الكبرى،  في بترول
ليبيا  .



و كان مخطط أردوغان  يقوم على رفع معدلات
مكاسب تركيا من إعادة إعمار ليبيا إلى 120 مليار دولار ، لو لم يكن السيسي ألغى
إتفاقية الرورو ، ولو لم يكن ساعد المشير خليفة حفتر في  تكوين جيش وطني
ليبي. يذكر أن المشير ، خليفة حفتر ، بدأ في بناء الجيش  الوطني الليبي
ب 400 رجل فقط ، في مواجهة  مئات الآلاف من عناصر
المليشيات  و العصابات ، التي زاد عددها  عن  500
عصابة  مسلحة ، إنتماءها الوحيد
يرتبط  بالقبائلة،  و العشائرية ،  فضلا عن  المكاسب
الناجمة عن تهريب البترول،لا سيما  بعد أن إنضم إليهم
مؤخرا  ، الدواعش الهاربين من   و سوريا .



  فلولا مساعدة مصر لخليفة حفتر
لتكوين  الجيش الوطني الليبي ،  لحققت المطامع التركية في
ليبيا ما كل تصبو إليه ، لا سيما بعد أن وقع ، أردوغان ، مذكرتي
تفاهم،  بحرية،  و أمنية،  في 28 نوفمبر 2019  مع
حكومة فايز  السراج ، المدعومة من المئات من  الميليشيات
الإرهابية ، و المرتزقة،  و الدواعش ،  الهاربين من العراق ،
و سوريا . و تعطي هاتان المذكرتان،  حقوقا  لتركيا ، في
الثروات البترولية  الليبية في المياه الليبية،  و هي حقوق
تخص مصر و لا تخص  تركيا،  نظرا للحدود المشتركة بين مصر و
ليبيا  . كما تعطي الإتفاقيتان  حقوقا عسكرية ، و أمنية ،
تتيح لأردوغان ،  إرسال قوات عسكرية لليبيا،  و توفير الحماية
للمكاسب التركية،  من كعكة إعادة إعمار ليبيا  .و لا بد أن
نعترف ، أن أردوغان ، لعب في ليبيا بذكاء على الجانب الإقتصادي ،  فقد
شجع رجال الأعمال  الأتراك" اليهود"  على الإستثمار
بكثافة في ليبيا ، حتى يحظى بدعم اللوبي الصهيوني العالمي . يشار إلى أن رجال
الأعمال الأتراك  اليهود  ، يسيطرون على نحو 40 في المائة من
الإقتصاد التركي ، رغم أن الجالية اليهودية في تركيا،  لا تزيد عن 40
ألف يهودي،  لكنهم يتمتعون مع .ذلك بثراء شديد و بعلاقات
متميزة  مع أردوغان .



  و كان أردوغان قد أعلن في 26 ديسمبر
2019،  أنه سيرسل قوات تركية إلى ليبيا ، بناء على طلب  فايز
السراج ، رئيس حكومة الوفاق  ، غير أن  عقيلة صالح ،رئيس
البرلمان الليبي،  بادر بإدانة هذه الإتفاقية
،  واصفا  تصريحات أردوغان بشأن المذكرتين بأنها تصريحات
"غير مسئولة ، و تمثل نكسة لمبادي،  الأمن،  و السلم
الدوليين ". و قادت مصر حملة دبلوماسية واسعة ، بدعم من اليونان ، و
قبرص،  لإلغاء هاتان الإتفاقيتان . و أثمرت جهود مصر،  عن
صدور إدانة للإتفاقيتين  من جانب  الإتحاد الأوروبي،   ،
و وصفهما بأنهما يمثلان "إنتهاكا للقانون الدولي" .



   و نهاية ينبغي القول بأنه رغم
الإنسحاب التكتيكي الأخير،   لقوات الجيش الوطني الليبي من
طرابلس،  حفاظا على أرواح  المدنيين الليبيين ، و خضوعا
لطلبات المجتمع الدولي ،  بالعودة لمائدة المفاوضات في إطار 5+5  ،
إلا أنه الجيش الوطني الليبي لن يتخلى عن إستراتيجيته الرئيسية ، و هي طرد المحتل
التركي بقواته من غرب ليبيا ، و إعتقال و ترحيل كل الدواعش المرتزقة الذين نقلتهم
تركيا من سوريا إلى ليبيا .

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط