الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصر واليونان في مركب واحد أمام عدو مشترك.. اتفاقية مرتقبة تصعق أردوغان

صدى البلد

بينما يتوسع الخطر التركي بقيادة رئيسه رجب طيب أردوغان، الذي يمتد عبر منطقة الشرق الأوسط في سوريا والعراق وليبيا، وفي أعماق قارة أفريقيا، ومنطقة شرق المتوسط الغنية بالغاز وحتى وأوروبا كذلك، بات من الحتمي تكوين جبهات وتكتلات قوية لمواجهة هذا الخطر.

وفي هذا التقرير نتناول التقارب والتحالف بين مصر واليونان في السنوات الماضية من حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، ذلك التقارب الذي عززه بلا شك وجود عدو مشترك، متمثلًا في نظام رجب طيب أردوغان وأوهامه العثمانية التوسعية.

فمع التطورات الأخيرة على الساحة الليبية، التي أشعل تدخل تركيا الصراع بها، عن طريق إرسال أردوغان المرتزقة السوريين لدعم مليشيات حكومة الوفاق منتهية الصلاحية، طمعا من أنقرة في توسيع رقعة نفوذها على غرار الحال في سوريا، والاستيلاء على الثروات النفطية لليبيا، هددت مصر بالتدخل العسكري في حال تجاوز المليشيات والمرتزقة الخط الأحمر المتمثل بمدينة سرت وقاعدة الجفرة الجوية، بما يهدد الأمن القومي والحدودي المصري، داعية إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات بحثا عن الحل السلمي في ضوح ما طرحه السيسي في "إعلان القاهرة" بحضور قائد الجيش الليبي، خليفة حفتر، ورئيس النواب الليبي، الجهة الوحيدة المنتخبة في ليبيا، عقيلة صالح.

وكانت اليونان إلى جانب قبرص وفرنسا، من بين أولى الدول التي أعلنت دعمها لخطاب الرئيس السيسي والوقف المصري في ليبيا. كان هذا الدعم  مدفوعا بخلفية، ألا وهي الاتفاقية الهزلية بين أردوغان وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق، بترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، والتي وعلى الرغم من كون تلك الحدود خرافية وغير موجودة، والاتفاقية نفسها غير قانونية وموقعة مع طرف غير معني وشرعيته مؤقتة، إلا أن الهدف منها كان واضحا، أن أردوغان يريد استغلالها في إثارة الاضطراب في شرق المتوسط والإمساك بورقة يواصل التلويح بها أثناء قيامه بمحاولات السطو على ثروات شرق المتوسط الخاصة بقبرص واليونان.

اليونان واتفاقية حدود مع مصر على غرار إيطاليا

في التاسع من يونيو الجاري، وقع الجانبان اليوناني والإيطالي اتفاقا لترسيم الحدود البحرية بينهما يهدف لاستكشاف الموارد البحرية واستغلالها.

واعتبرت وسائل إعلام تركية أن الخطوة جاءت ردا على تحركات تركيا وتوقيعها اتفاقا مع حكومة الوفاق الليبية، للتنقيب عن النفط قرب السواحل الليبية.

وأعلن وزير الخارجية اليوناني، نيكوس دندياس، أنه وقع مع نظيره الإيطالي، لويجي دي مايو، اتفاقًا لترسيم الحدود البحرية لتعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بكل بلد منهما.

نقلت صحيفة " كاثيميرني" عن دندياس، قوله في أعقاب التوقيع على الاتفاقية، إن تعيين حدود المناطق البحرية مع كل جيراننا في سياق القانون الدولي يعد هدفًا ثابتًا لليونان.

وأوضحت الصحيفة أن الاتفاق الذي تم توقيعه بين الطرفين يمهد الطريق أمام اليونان وإيطاليا لاستكشاف الموارد البحرية واستغلالها، كما يمهد السبيل لليونان للتوصل لاتفاق مماثل مع جارتها ألبانيا.

وأشارت صحيفة زمان التركية إلى أن إعلان أردوغان قبل أيام عن عزمه بدء التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط بالقرب من السواحل الليبية، بناء على الاتفاق مع فايز السراج، عجل من الموافقة اليونانية على ترسيم الحدود مع ايطاليا، لقطع الطريق على أنقرة، لمنعها من استغلال مواردها في جرفها القاري.

تشهد العلاقات التركية اليونانية خلافات حادة حول العديد من القضايا يعود تاريخها لعقود بدءا من نزاعات على حقوق استغلال الموارد المعدنية في بحر إيجة وحتى قبرص المقسمة عرقيا.

وأشار وزير الخارجية اليوناني إلى أن الاتفاق الجديد  يؤكد اتفاقا سابقا موقعا عام 1977 مع روما يضمن "حق الجزر في أن تكون لديها مناطق بحرية" حيث يعتبر هذا الأمر في غاية الأهمية بالنسبة لليونان، لتي تواجه توترًا شديدًا مع تركيا المجاورة الطامعة في حقول النفط في المنطقة وخصوصًا حق قبرص في القيام بأي عملية استكشاف للموارد النفطية في المنطقة الاقتصادية الخالصة القبرصية.

ويرى محللون أن ترسيم الحدود البحرية بين اليونان وإيطاليا، يضعف مبررات أنقرة في التنقيب عن النفط خارج حدودها بالبحر المتوسط، وتجعل أردوغان في مواجهة دولتين أعضاء في الاتحاد الأوروبي، سيتحركان بشكل مشترك للدفاع عن منطقتهما الاقتصادية بالجرف القاري اليوناني-الإيطالي.

ووفقا للقانون الدولي، فيما يتعلق بالمياه الإقليمية والجرف القاري، فإنه  إذا تداخلت المناطق الاقتصادية الخالصة لدولتين، فإن الأمر متروك للدول المجاورة لتحديد الحدود البحرية بشكل مشترك.

وتعترض إيطاليا على الاتفاقية الموقعة بين أردوغان والسراج، وتقول إنها تمثل انتهاكا لحقوق الدول الأخرى، خاصة وأن الاتفاقية لم توضح نقاط الالتقاء لترسيم الحدود بين ليبيا وتركيا. وترى اليونان أن التحركات التركية مع ليبيا تكشف الأطماع التركية في التوسع ببحر إيجه، بعيدا عن الحدود التركية.

الاتفاقية المرتقبة مع مصر

نشرت وكالة "نوفا" الإيطالية أن وزير الخارجية اليوناني دندياس يزور مصر، في 18 يونيو، لاستئناف المفاوضات مع نظرائه المصريين حول توقيع اتفاقية ترسيم حدود مع مصر.

وهذا ما أعلنه دندياس في أعقاب التوقيع على اتفاقية لتعيين المناطق الاقتصادية الخالصة بين اليونان وإيطاليا، وقال إنه سيزور مصر للحصول على نتيجة مماثلة، لمزيد من الحصار للتركي أردوغانـ لتتمكن مصر من التنقيب عن النفط والغاز في المناطق الاقتصادية الغربية الواقعة على الحدود البحرية مع تلك الخاصة باليونان.

سياسة المركب الواحد

اليونان من البلاد التي تعاني العديد من المشكلات الاقتصادية الداخليةـ وكذلك الانقاسامات السياسية والاختلافات وصعوبة التوافق حول اتجاه معين، لكن هذا الأمر يختلف عند الحديث عن العلاقات مع مصر، فالجميع هناك بدون مبالغة يراها محورية وحاسمة، وخاصة فيما يتعلق بمواجهة تركيا وتوقيع اتفاقية لإعاة ترسيم الحدود.

في تقرير لصحيفة "جريك سيتي تايمز" الناطقة بالإنجليزية، يقول الكاتب اليوناني بول أنتونوبولوس إن طموح أردوغان للهيمنة على البحر المتوسط غير المناخ في الغرب وبات تحت المجهر الدولي، حيث تسببت سياساته بتوسيع العدوان ليس فقط على العراق وسوريا واليونان وليبيا، بل وصل الأمر إلى فرنسا الآن.

ويضيف أن فرنسا أول من وقف أمام تركيا. اشتكت باريس للناتو من أن فرقاطة تابعة للبحرية الفرنسية تعرضت للمضايقة من قبل الأسطول التركي في البحر الأبيض المتوسط. لم تعد فرنسا محايدة لتركيا.

تبع ذلك المستشار النمساوي سيباستيان كورتز، ردا على سؤال حول كيفية تعامل أوروبا مع التوسع التركي في كل من اليونان ومنطقة البحر الأبيض المتوسط. "يجب ألا نسمح لتركيا بابتزازنا".

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الثلاثاء، إن حلف الناتو بدا أنه يعاني "الموت السريري" وذلك خلال أزمة الحادث العسكري البحري بين فرنسا وتركيا.

وأشار إلى أن كل هذا في الوقت الذي تبرز فيه العلاقة بين أردوغان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرة أخرى مع صدور كتاب مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون. بشكل عام، تنقلب وسائل الإعلام الأمريكية ضد الرئيس التركي، واصفة إياه بأنه "خطير". من بين أمور أخرى، في الساعات الماضية، قاموا بتغطية واسعة لإجراءات تركيا في ليبيا، كما أنهم سلطوا الضوء على الغارات الجوية التي شنتها أنقرة في شمال العراق وضد الأقلية اليزيدية التي حاول جهاديو الدولة الإسلامية المدعومون من تركيا تطهيرها عرقيا.

وأكد الكاتب اليوناني أن الشيء الإيجابي الوحيد لليونان هو حقيقة أن العدوان التركي الآن تحت المجهر الدولي، خاصة عندما أعلنت أنقرة أنها ستحفر للنفط والغاز في المياه الإقليمية اليونانية، قد تتجنب أثينا مواجهة ساخنة، لكنها من ناحية أخرى ملزمة بالرد من أجل الدفاع عن سلامتها الإقليمية وحقوقها السيادية. ويتجلى ذلك أيضًا في تحذير الجنرال كونستانتينوس فلوروس، قائد الجيش اليوناني، لأنقرة.

ولفت إلى أن مصر تنتفض كذلك الآن، من خلال التهديد الواضح للرئيس السيسي من تجاوز الخطوط الحمراء.

وأكد أن هذا المناخ الجديد من شأنه تسهيل المفاوضات اليونانية المصرية بشأن ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة.

وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري، قال في بيان صادر يوم 18 يونيو، إنه ناقش مع نظيره اليوناني مجموعة من القضايا من بينها ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

وشدد شكري خلال اللقاء على ضرورة الحفاظ على الزخم في العلاقات بين مصر واليونان خلال السنوات الماضية خاصة فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي.

تضاعفت التجارة الثنائية بين اليونان ومصر أربعة أضعاف خلال الفترة من 2009-2019 ، حيث أظهرت زيادة تصل إلى 300٪، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى زيادة الصادرات اليونانية (+380.2٪) وكذلك إلى المسار الإيجابي للصادرات المصرية (+ 236.7٪) ، وفقًا لدراسة حديثة قدمها مكتب الشؤون الاقتصادية والتجارية بالسفارة اليونانية بالقاهرة.

وقال بيان صادر عن الرئاسة المصرية إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التقى في وقت سابق من اليوم نفسه وزير الخارجية اليوناني وناقش تعزيز العلاقات الثنائية بالإضافة إلى الملف الليبي.

من جانبه أعرب وزير الخارجية اليوناني عن تقدير بلاده لروابطها القوية مع مصر التي تمثل نموذجا للتعاون البناء بين دول البحر الأبيض المتوسط ​​سواء على المستوى الثنائي أو في إطار آلية التعاون الثلاثي بين مصر واليونان وقبرص. وكذلك منتدى غاز شرق المتوسط ​​(EMGF)، وأن اليونان تشارك مصر رؤيتها للمنطقة.

وفي يوم الأربعاء الماضي،  وجه وزير الخارجية اليوناني، نيكوس دندياس، اتهاما لتركيا بتقويض الاستقرار والأمن في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وإحداث مشاكل مع جميع جيرانها، بينما تنتهك المجال الجوي اليوناني والمياه الإقليمية يوميا، ووانتقد نيكوس دندياس تحركات تركيا في الأشهر الأخيرة في بحر إيجة، الذي يفصل بين البلدين ، قائلا إنه على أنقرة "الامتناع عن دبلوماسيتها غير المشروعة".

أزمة المهاجرين..الفارق بين مصر وتركيا

تعد أزمة المهاجرين من القضايا الرئيسية التي يستغلها أردوغان في ابتزاز الغرب الأوروبي ولا سيما اليونان، والتي نجلت خلال الأزمة بين أنقرة وأثينا في مارس الماضي.

ومؤخرا علق وزير الخارجية اليوناني على هذا الأمر عاقدا مقارنة بين سياسات مصر وتركيا، وقال في سلسلة تغريدات عبر تويتر  إن التدخل التركي ينتهك "مفهوم الشرعية" مطالبا أوروبا بحمايته من خلال العملية المشتركة في البحر المتوسط لمنع تدفق السلاح إلى ليبيا "إيريني".

وأكد الوزير اليوناني أن بلاده ستدافع عن حقوقها وسيادتها، وهو ليس تهديدا بل حق مشروع للدفاع عن النفس تكفله الأمم المتحدة، موضحا أن اليونان كانت وستبقى مستعدة للدفاع عن حقوقها السيادية بنفسها. لكنها ليست وحيدة.

وأشار دندياس إلى أن بلاده كان لديها رغبة في إقامة علاقة مع أنقرة، لكن تركيا لديها أولويات أخرى، وتقوم بالتهديد والابتزاز للحصول على تنازلات، مضيفا "هذا الأمر لا يمكن قبوله"، وأشاد بالدور الذي تلعبه مصر من خلال ضبط الحدود لمنع تدفق المهاجرين، دون طلب أي شيء في المقابل من الاتحاد الأوروبي، قائلا "دون أن تطلب يورو واحد"، مؤكدا أنها واحدة من أهم الدور المؤثرة في المنطقة.