الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عمر الحنبلي.. حالة إعلامية تستحق الاهتمام


كثيرون من المذيعين المنتمين إلى قنوات برامج عامة يتلقون دعما واهتماما بهم من المبالغة أكبر مما يستحق ما يقدمونه من محتوى، وقليلون من كانت تجاربهم ناجحة فعلا ومؤثرة بصدق وبشكل إيجابي فى النهوض بالوعي العام والتأثير فيه.


تصنيفات نتشدد أمامها ولا نلتفت إلى خطورة نظرتنا الأحادية للأمور، حينما نسمى هذا المذيع أو الصحفي ليبراليا أو اشتراكيا أو سلفيا، بينما نتجاهل موضوعيته فى الطرح لحساب تقييمنا المنحاز مع أو ضد طبيعة المنبر الصحفى أو الإعلامى الذي يطل علينا من خلاله، كأننا ننسف كل فكرة راقية أمام طبيعة رأس المال المؤسس لمبرر ظهور أصحابها.


من هنا، وجدنا ماسبيرو نفسه وهو تليفزيون الشعب يترنح لفترة لحسابات قاصرة ويصبح لسنوات مضت حالة طاردة لكفاءات ربما احتاجت فقط لقراءة "لغة السوق" الجديدة فى الإعلام الخاص، وكذا الحال فى الصحف المصرية القومية التى لم تستوعب أفكارا لكتاب ومحررين لجأوا إلى الحزبية والخاصة بغض النظر عن الأوضاع المادية لممارسي المهنة ومؤسساتها كافة.


فى بيئة إعلامية متشابهة؛ ظهرت ما سميت بالقنوات الدينية بتصنيفاتها وطبيعة انطلاقة كل منها، وداخل مطابخها عمل كثيرون من الشباب وسعى البعض لإثبات ذاته فعليا مستغلا الفرصة المتاحة له بغض النظر عن أسبابها، وتراكمت خبرات لدى هؤلاء تأثروا فى بنائها بثقافتهم العامة و الدينية ودراستهم بجانب اطلاعهم الدائم.


رغم صغر سنه، كان بين هؤلاء المذيع والإعلامي الشاب عمر الحنبلي مؤثرا فى طلته وأطروحاته بما اقترب به من الناس على الأرض قبل أن تنجذب إلى ملامحه الجادة الحادة الطيبة كاميرات قناة الرحمة، هكذا أظن؛ وأنا أمام محاولة لتحليل مضمون مقابلاته وحواراته ومقدمات حلقاته النارية التى يتناول بها قضايا مجتمعه "من الحياة" دون قيد على الفكرة أو مبالغة غير مؤثرة فى نفوس مشاهدين اتسعت قاعدتهم بعيدا عن مريدى شاشات القنوات الدينية، ولم لا، وقد تغيرت سريعا هوية ضيوف برنامجه لتشمل المختلفين اجتماعيا وسياسيا والمجتمعين فى حب الله والوطن ومصلحة الناس.


بجدية؛ تجده منازعا قويا لأفكار مرفوضة يتخذ مواقف ثابتة مع المجتمع كله منها، لا يخشى في الحق لومة لائم ولا يعتبر ما يرد به عليه موجها لشخصه أو يقع فى فخ الافتراض المخطئ لمذيعين يتخذون من ضيوفهم خصوما مؤقتين "لزوم تسخين الهواء"، وهى الحالة التى يصنعها فريق الكنترول والإعداد على هاتف الأذن مع مذيعين غير واثقين بأنفسهم، خاصة إذا كان "سكربت الحلقة" من غير إعداد المذيع ذاته، وأظن أن "الحنبلي" يرتجل فى مقدمته المصنوعة كأسئلته من وحى أفكاره وبحثه الدائم عن الحقائق، وهو سر ثقته بنفسه وجمهوره المتواصل معه أغلب فترات الهواء دون قيد.


حللت ضيفا على مذيعين كبار يتلقون أجورا بمئات الآلاف، والملايين أيضا، إنتاج كبير وتجهيزات ضخمة وترتيبات وإمكانات أعلى "ماديا" مما يحظى به برنامج متزن مع المذيع الشاب عمر الحنبلي، وكثيرا ما شعرت بفجوة الاصطناع والاختلاق والإصرار على الإثارة المبنية على تخيلات وافتراضات غير واقعية، وهى أمور غير مسموح بها فى التعامل مع جمهور هذا المذيع الذي احترم كل كلمة يوجهها لجمهوره ولا يقبل معها كذبا أو تحايلا على وعيه.


ليس من السهل أن تحاور مذيعا مقاطعا لكل ما هو غير منطقي، وهى عادة حنبلية يمتاز بها الشاب عمر، ولا خطورة مع موضوعات حلقاته من مناقشة ما يعتبره البعض محرمات، ويظنه الحنبلي قضايا جوهرية فرضت نفسها على المجتمع وسعى أبطالها لتوجيه أبنائه نحو كوارث متلاحقة، وأولها العنف والإهمال والشقاق والحماية التشريعية لأوضاع اجتماعية كارثية، وتقديم ما يعزز ذلك من أعمال درامية وتشجيع ظهور داعيات نشر الفتن الأسرية المبطلة للاستقرار.


شهدنا حلقات برنامج "من الحياة" مع عمر الحنبلي تتناول ما يرفض كثيرون الذهاب إليه، لكننا نرصد مع تناوله إصرارا أكيدا على أن المذيع الباحث عن الحقيقة والمصر على الوصول إلى خيوطها مع مشاهديه هو الأصدق، وهو من تنتظره الشاشة، ولا استطلاعات رأي أو إحصاءات مشاهدات حلقات هى التى تحكم على شعبيته، وإنما موضوعيته وسعيه لتحقيق مبرر وجوده فى رفع الوعى ونشر المعرفة وإشاعة التسامح وتصدير الحلول القاطعة للمشكلات، كلها أمور تضمن بقاءه وتأثيره.


عقود الاحتراف لمذيعين كثيرين يتلقفها أصحاب الفرص والحظوظ العالية، وكم منهم لا تزال تجربته وليدة صناعة تعانى أزمة كبرى، إنتاجا كبيرا وضعف المحتوى، بخلاف مؤثرات شتى تجعل المنتج الإعلامى ذاته مهترئا غير متسق مع الفكرة والهدف ومبرر الوجود، وظني أن مذيعين شبابا ستكون لهم مساحة كبيرة من الحضور مستقبلا أعظم مما يتوقعه كثيرون، لإصرارهم على الاعتماد على ثقافتهم وتنميتها واختلاطهم الحقيقي بالناس ومشكلات المجتمع والتركيز على صلب القضايا الخلافية بغرض الوصول بالجمهور إلى بر الأمان لا إثارته وتشويش أفكاره.


أخيرا؛ فإن نوعية برامج كالتى يقدمها الحنبلي؛ كسرت الحاجز النفسي لدى جمهور كانت لديه تحفظات على طبيعة قنوات؛ عامة وخاصة ودينية وغيرها، وجعلت متلقي الرسالة الإعلامية يذهب إلى الحقيقة بنفسه ويبحث عنها عبر من يتيح له استثارة عقلية، لا من يتلاعب بعقله ويذهب دون نفع.
 

النماذج الناجحة متكررة فى تجارب شتى ربما ترد فى سطور مقبلة لنا؛ إن كان فى العمر بقية تكفى.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط