الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

"سكتة" الثانوية!


انتهى موسم الثانوية العامة .. ولم تنتهِ مفارقاته السخيفة والمؤلمة .. السخافة فى أسلوب وضع الأسئلة وآلية صياغة الامتحانات على نحو يشعر أمامه الطالب بالحيرة والعجز عن الإجابة وحرق الدم والأعصاب عند التفكير فى ضيق الوقت وضياع فرص النجاح والحصول على أعلى الدرجات .. والألم عندما تشاهد دموع ابنك أو ابنتك تنهمر فى حسرة بعد الخروج من اللجنة، وصرخات الاستغاثة تغطى أنحاء المكان وأصوات الغضب والمعاناة تمزق ورقة الامتحان وأحيانا ترغب فى حرق من كتبها .. وياليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل نعيش لحظة صادمة عندما يسقط طالب بـ "السكتة القلبية" من فرط الانفعال ويفقد حياته لمجرد أنه لم يعبر مرحلة الثانوية وقرر أن يودع العالم بعد أن ودع حلمه وحلم أسرته بالدخول إلى الكلية "القمة" المنشودة!.

هذه الدراما المأساوية التى نتعايش مع تفاصيلها وأحداثها التراجيدية كل عام يتحمل مسئوليتها أبرز بطلين يستحقان المحاسبة والنقد على سوء الأداء .. البطل الأول هو وزارة التربية والتعليم التى تصر على تصدير سنة الثانوية العامة بأنها "عنق الزجاجة" ولابد أن يتجرع البيت المصرى كأس مرارتها وعذابها من هدوئه وماله وجدول حياة أفراد الأسرة .. ولم يعد مقبولا على الإطلاق أن تُترك أسئلة الامتحانات بين أيدى موجهين ومدرسين يفتقرون إلى الإنسانية قبل المهنية، والمفترض أن يسود اللجان جو من الألفة والراحة بين الطالب والمراقب باعتبارهما أبًا وابنًا.. وما الضرر من اختيار صيغ ونماذج اختبارات سلسة وتقيس مستوى وقدرات الطالب العقلية والإبداعية معا؟! .. بل والأهم من ذلك، فهو واجب العملية التعليمية فى تسهيل الأمور والمعلومات على أبنائنا ولب فلسفة تربية العقل وتنميته يكمن فى ترغيب الطالب لتلقى العلم وتأهيله للحياة الجامعية دون تعقيد أو أساليب تعبر عن نفوس مليئة بـ "مركبات النقص" .. وما ننتظره من القائمين على مؤسساتنا الرسمية اتباع منهج مختلف و"سلوك إنسانى" فى التدريس وصياغة الامتحانات وتخفيف الضغط العصبى والنفسى على الطلبة والأهالى!.

أما البطل الثانى فى المُلهاة السنوية فهو الأسرة نفسها عندما تتعامل مع "الثانوية العامة" وكأنها حياة أو موت ومن يتعثر فيها سيفقد مستقبله بالكامل وستكون هذه هى الضربة القاضية لأحلامه وطموحاته .. بينما الواقع مخالف تماما لهذا الهاجس الذى يسيطر على كل بيت .. ويتعين  على كل أب وأم إقناع أبنائهما بأن شبح "الثانوية" ما هو إلا وهم كبير، وآن الآوان أن تتخلص الأسرة المصرية من قيود الدروس الخصوصية ومافيا "السناتر" التى تنهش ميزانيتها وترهقها ماديا فى مقابل آلاف الجنيهات .. و"حفنة" درجات!.

وإذا ما أدرك الوالدان أن الحياة العملية لاتؤمن بالمجموع الكبير والمستوى الرفيع، وأن التفوق يصاحب الطالب أينما ذهب إلى أى كلية أو جلس داخل أى مدرج طالما يمتلك الموهبة والذكاء والقدرة على متابعة دروسه والتحصيل العلمى بمجهوده والتزامه الشخصى .. وأقولها دائما عن تجربة وخبرة "طالب ثانوى" قديم إنها  مرحلة كاذبة ونحن من يصنع كذبها ونسب نجاحها الزائفة والتى لاتمثل معيارا صادقا وحقيقيا لمستوى الطالب المعرفى .. والوزارة وأولياء الأمور غارقون فى غيبوبة "الثانوية العامة"، والإفاقة السريعة ضرورية حفاظا على ما تبقى من أجيال .. وحتى لانُصاب جميعا بـ "السكتة القلبية"!.


   
 
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط